شهدت عمليات الاندماج والاستحواذ نمواً كبيراً في جميع أنحـاء العـالم خـلال العقديـن الأخـيرين . فقـد وصـلت مبـالغ وأحجـام عمليـات الانـدماج والاسـتحواذ إلـى مـستويات قياسـية غيـر مــسبوقة فــي الوقــت الــراهن . وتعــزى العوامــل الرئيــسية لــذلك للتوجــه الــسائد نحــو العولمــة وانخفاض تكلفة التمويل . هذا بالإضافة إلى الأزمـة الماليـة العالميـة الحاليـة ومـن ثـم الحاجـة إلـى خلق كيانات كبيرة تـستطيع المنافـسة للبحـث عـن النمـو والـربح ،
وكـذلك ازديـاد تـدفقات رأس المال عبر الحدود الوطنية للدول المختلفة بسبب برامج الإصلاح الاقتـصادي وتحريـر الأسـواق فـي الدول النامية . وثمة عامل رئيسي آخر وراء ازدياد نشاطات الاندماج والاستحواذ يتمثل فـي ارتفـاع مستوى عولمة الاستثمارات التي تبحث عن عائدات أعلى وفـرص لتنويـع المخـاطر وإدراك الكثيـر مـن مؤسـسات الأعمـال للحاجـة الماسـة إلـى الخـروج باسـتثماراتها إلـى البلـدان الخارجيـة أو فـي داخل مناطقها.
لقد أصبحت عمليات الاندماج والاستحواذ أمـرا شـائعا متكـرر الحـدوث فـي عـالم الأعمـال في الوقت الراهن . ويتم عادة استخدام لفظي ” الانـدماج والاسـتحواذ ” كمـترادفين فـي القـرارات الاسـتثمارية الاستراتيجية . وعليـه فأنـه مـن الـضروري التميـيز بيـن هـذين المـصطلحين .فعمليـة الانـدماج بيـن مؤسـستين متمـاثلتين تـشتمل علـى انـضمام كيـانين مـن نفـس المـستوى إلـى بعضهما للاستفادة من أفضل الإمكانات المتوفرة لدى كـل منهمـا . أمـا عمليـة الاسـتحواذ فإنهـا تشتمل على عملية أسهل كثيراً تتمثل في ضم شركة أصغر حجماً إلى الشركة المستحوذة.
نظرا للازمة المالية الحـالـيـة ،فـقـد أصـبـحـت الأسـواق الـمـالـيـة الـعـالـمـيـة عـرضـة لـبـيـئـة استثمارية متذبذبة تسودها الشكوك وعدم التيقن كما دخلت هذه الأسواق حلقة مـفـرغـة مـن انخفاض الفعالية المالية للأصول وانخفاض الأسعار والمنافسة الحـادة بـيـن الـمـسـتـثـمـريـن .وقـد ارتفعت التوسعات الائتمانية لتصل إلى مستويات مـحـبـطـة لـلآمـال ، كـمـا هـبـطـت الـمـؤشـرات الرئيسية للأسهم بنسبة 25 بالمائة تقريبا خلال شهر أكتوبر 2008 .علاوة على ذلك ، فان الطلـب العالمي المنخفض ، يعمل حاليا على خفض أسعار السلع .
وفى سيـاق متصل فقد انـخـفـضـت أسعار النفط بنسبة تجاوزت 50 بالمائة مقارنة بالذروة التي بلـغـتـهـا فـي 12 يـولـيـو 2008 وبـذلـك تراجعت إلى مستويات لم تشهدها منذ مستهل 2007 لتعكس التباطؤ الاقـتـصـادي الـعـالـمـي الكبير.
وبناء عليه، فان هذه الأوضاع يتوقع أن تؤدى إلى حدوث عدد كبير من نشاطات الانـدمـاج والاستحواذ عبر جميع بلدان المنطقة في ظل اضطراب الأسواق المـالـيـة وانـهـيـار سـوق الـرهـن العقاري حيث تأثر عدد كبير من الصناعات والقطاعات بهذه الأزمة المالية. إننا نعتقد أن نشاطات الاندماج والاستحواذ يمكن أن تمثل أحد الحلول الـتي يمكـن أن تلجأ إليها الحكومات والمستثمرين من الشركات في ظل الأوضاع الراهنـة . ورغمـا عـن التنبـؤات القاتمــة ، فــان الحكومــات المحليــة لا تــزال تــضطلع بــدور حيــوي وهــام مــن نــشاطات الانــدماج والاسـتحواذ كمـا حـدث عنـد اسـتحواذ الحكومـة الأمريكيـة علـى شـركة أميريكـان انترناشـونال غـروب “ أيـه آى جـى ” ِإحـدى اكـبر شـركات التـامين الـتي تتخـذ مـن نيويـورك مقـرا لهـا . بيـد أن التوقعات الخاصة بعمليات الاندماج والاسـتحواذ لعـام 2009 تـشير إلـى تلاشـى الـصفقات الكبـيرة التي كانت سـببا فـي طفـرة هـذه النـشاطات خـلال الـسنتين الماضـيتين .
وربمـا يـؤدى ذلـك إلـى حدوث صفقات أصغر حجما إذ ربما تلجا الشركات القوية إلى الاستحواذ على الشركات المنافـسة لها التي أنهكتها أسواق الائتمان المنكمشة .علاوة علـى ذلك فانه مـن المتوقـع أن يتوافـر لكـل قطـاع عـدد كبـير مـن الـشركات القابلـة للاسـتحواذ الـتي سـوف تـستفيد مـن حـصص الملكيـة والأوضاع الائتمانية القوية نسبيا
كلاً منهما يعتبر أحد استراتيجيات الشركات لتمويل وإدارة التعامل من خلال بيع أو شراء أو تقسيم أو الجمع بين الشركات المماثلة والتي يمكن أن تساعد أي مؤسسة لتنمو بسرعة في قطاعها أو في مكان المنشأ، أو في حقل جديد، دون خلق فرعيات، كيانات جديدة أو استخدام مشروع مشترك. ولقد أصبح التمييز بين “الاندماج” و “الاستحواذ” غير واضح بشكل متزايد في مجالات مختلفة (ولا سيما من حيث النتيجة النهائية الاقتصادية)، على الرغم من أنها لم تختف تماما في جميع الحالات.
فمنذ ظهور الشركات المساهمة واستقرارها بشكلها القانوني الحالي في العالم وهي تسعى إلى السيطرة على بعضها البعض بحثاً عن زيادة الحجم لتوسيع النشاط، واكتساب الأسواق، وزيادة القدرة على المنافسة، وتحقيق الأرباح لإغراء المستثمرين. ومع منتصف القرن العشرين ظهر ذلك جلياً فيما يعرف بعمليات الاندماج والاستحواذ.
الاندماج بصفة عامة هو اتحاد للمصالح بين شركتين أو أكثر ينتج عنه ظهور كيان جديد أو قيام أحد الشركات، فثلاً اندماج الشركة يعني دخول كلي لكيانها في شركة أخرى وبالتالي يزول كيانها القانوني وتدخل في كيان الشركة الأخرى المندمجة معها، وهذا يختلف عن تحول الشركات حيث تبقى الشركة قائمة وإنما يتغير كيانها القانوني، كما أن الاندماج ليس بالضرورة أن يكون بين الشركات من ذات النوع، فيجوز أن تندمج شركة مع أخرى من نوع آخر، سواء كان الاختلاف من حيث الأغراض أو من حيث الكيان القانوني
والاندماج إما يكون بطريق الضم بحل الشركة ونقل أموالها إلى شركة أخرى قائمة أو بطريق المزج وهو حل شركتين قائمتين أو أكثر وتأسيس شركة جديدة تنتقل إليها حقوق والتزامات كل من الشركات المنحلة،
هناك ثلاثة أنواع من الاندماج :
1- الاندماج الأفقي وهو اندماج يحدث بين مؤسستين تعملان في نفس النشاط الاقتصادي لتحقيق اقتصاديات الحجم، ويخلق قوى احتكارية للشركة المدمجة، مثل اندماج مؤسستين لصناعة الأدوية. 2- الاندماج الرأسي هو اندماج يحدث بين مؤسسات تعمل في أنشطة اقتصادية مكملة، لتحقيق اقتصاديات التقنية الحديثة مثل تجنب تكاليف معينة مثل تكلفة النقل أو تكلفة التعاقد، ويخلق هذا النوع من الاندماج التكامل في الإنتاج مثل اندماج شركة محاجر مع مصنع أسمنت.
3- الاندماج المتنوع وهو اندماج يتم بين شركات لها أنشطة اقتصادية مختلفة، فقد يكون بغرض زيادة تنوع المنتجات أو الامتداد الجغرافي للسوق أو بغرض التنويع البحت بأنشطة غير مرتبطة ببعضها. يعني استحواذ الشركات، السيطرة المالية والإدارية لأحد الشركات على نشاط شركة أخرى، وذلك عن طريق شراء كل أو نسبة من الأسهم العادية التي لها حق التصويت في الجمعية العامة للشركة المستحوذ عليها سواء تم شراء الأسهم بالاتفاق مع الإدارة الحالية أو بدون، لأن المهم أن تسمح النسبة المشتراة للشركة المستحوذة بالهيمنة على مجلس إدارة الشركة المستحوذ عليها.
ظهرت هذه الاستراتيجية نتيجة للتغييرات السريعة في النظام الاقتصادي العالمي والمتمثلة في العولمة والحرية الاقتصادية وإزالة العوائق أمام فتح الأسواق وإقامة التكتلات الاقتصادية وزيادة المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجه الدول النامية والمتقدمة أدت إلى زيادة حدة المنافسة بين الشركات وزيادة التحديات التي تواجهها العديد من الشركات والمؤسسات في العالم،
على الرغم من تشابه الاستراتيجية عقود الاندماج و الاستحواذ، من حيث دور الوسطاء، ومعايير تقييم الأصول، وإعداد الترتيبات الخاصة بتحديد مصير العقود المرتبطة بتلك الشركات، وحصص المساهمين، إلا أن هناك معياران للتفريق بين الاندماج والاستحواذ هما:
1- المقابل الممنوح: إذا كان المقابل المدفوع لمالكي أسهم الشركة مال أي ثمن وليس حصة اعتبرت العملية استحواذ وليس اندماج، أما إذا كان المقابل حصة فهو اندماج وليس استحواذ.
2- مال الشركة: إذا لم تنقضي الشركة بعد شراء شركة أخرى لأسهمها تكون العملية استحواذ، أما إذا تم إنشاء شركة جديدة فالعملية اندماج.
فوائد اندماج واستحواذ الشركات:
هناك الكثير من الفوائد التي تنتج عن اندماج الشركات و الكيانات الاقتصادية ومنها:
1- تخفيف تكاليف الإنتاج والخدمات
2- زيادة القدرات المالية والكفاءة
3- تحسين نوعية الإنتاج والخدمات المقدمة
4- زيادة القدرات التنافسية
5- القدرة على الحصول على التمويل من المؤسسات المصرفية العالمية بشروط مواتية.
6- يعتبر الحل المثالي للشركات المتعثرة والمهددة بالإفلاس .
في النهاية نستطيع القول أن الاندماج في الغالب يكون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة وهو خيار استراتيجي لهذه الشركات نحو التكتل والتحالف لخلق كيان جديد وعملاق ذات تقدم تقني ورأسمالي وتكنولوجي يمكنه استغلال حدة المنافسة العالمية لصالحه، ويكون له القدرة على تحقيق الأهداف التي لا تستطيع أن تحققها كل شركة بمفردها، أو للتغلب على مشاكل قائمة أو متوقعة في المستقبل لهذه الشركات؛ ومن المفترض أن يكون اندماج الشركات معاً في كيان أكبر هو الطريق الأمثل لتحقيق العديد من الإيجابيات، أما الاستحواذ فغالباً ما تقوم به الشركات العملاقة ذات رؤوس الأموال الضخمة والتي تستخدم التكنولوجيا المتقدمة في أعمالها، وليست بحاجة إلى الاندماج لأن مراكزها المالية قوية، وصناعتها متطورة وقادرة على الصمود والمنافسة؛ وهذه الشركات العملاقة تقوم بعمليات الاستحواذ لتحقق أهدافها في الدخول إلى أسواق جديدة أو التحكم في منتج معين أو السيطرة على الأسواق بالاستحواذ على الشركات الأصغر، وخاصة التي تعمل في نفس المجال
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان