يومًا بعد يوم تطالعنا أجهزة الرقابة الإدارية العظيمة بالقبض على شخص – ذي مكانة وظيفية – متلبسًا بالحصول على رشوة مقابل الإخلال بمسئولية عمله، ونجد أن الأموال الحرام التي حصل عليها لنفسه ذات قيمة كبيرة يتعدى بعضها الملايين من الجنيهات وهو في نفس الوقت يحصل على راتب كبير وميسور الحال، ويعيش هو وأسرته حياة كريمة وليس في حاجة أو ضرورة ملحة للتكسب من الحرام، ولكن هو في قناعته أن يقترف هذا الحرام بهدف تأمين مستقبل أولاده في حياته وبعد مماته.
وتناسى هذا الموظف الذي ارتشى ومات ضميره أنه يطعم أولاده وأسرته من حرام ويغذيهم بالسحت، وأنه يعرضهم لنار جهنم؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كُلَّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ)) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تناسى أيضًا أنه كيف يبارك الله في ذريته من بعده وقد ترك لهم إرثًا فاسدًا؛ وهي أموال جُمعت من حرام.
وهل يأمل خيرًا في هذه الذرية الملحفة بالحرام بأن تدعو له وهو في قبره أو تترحم عليه أو تعمل له صدقة جارية من هذه الأموال المسمومة التي أورثها لهم وخسر بسببها آخرته؛ ليشتري دنيا غيره كما روي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: “كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ” فهو يعصي الله تعالى ويمد يده للمال الحرام، ويعرض نفسه لخسارة نعيم الآخرة، لا من أجل أن يتنعم هو بالدنيا، ولكن ليتنعم بها غيره وهم أولاده من بعده.
ولذا يجب علي كل إنسان خائف على ذريته من بعده أن يتذكر قول الله تعالي ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾، ولا يمد يده إلى المال الحرام والذي هو مثل ماء النار تحرق ما يلمسها.
والمال الحرام كما قيل مثل ماء البحر كلما شربت منه ازددت عطشًا، والمال الحلال مثل الغيث النافع أينما نزل نفع، وليعلم أيضًا كل إنسان أن الأرزاق مقسومة، وأن كل إنسان سيأخذ رزقه الذي قسمه الله سبحانه وتعالى ولو بعد حين طال الزمن أو قصر، ولايستعجله بالحرام حتي لايكون وبالا عليه.
mahmoud.diab@egyptpress.org