إذا أردنا أن نضرب أمثلة عن الوجل الذي يمثل خوف المؤمن من الوقوع في أدنى تقصير فنذكر من ذلك ما كان من الصحابي الجليل حنظلة بن الرّبيع بن صَيْفِي الْكَاتِب الأسيدي التَّمِيمِي وَكَانَ من كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذا سمي بالكاتب فنجده قد تأمل حالة يوما فوجده يتغير كثيرا فحاله ساعة جلوسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعوره بالقرب من الله وسمو روحه وانشغاله بالآخرة يختلف عن حاله بعد أن يترك مجلس الرسول صلوات الله وسلامه عليه فينشعل بزوجته وأولاده وزراعته وثماره فظن أن تغير حاله يوقعه في النفاق فخرج فزعًا حتى لقيه سيدنا أبو بكر الصديق وهو على حاله هذا ففزع له وسأله عما به فقال :نافق حنظلة فسأله كيف هذا فحكى له ما فكر فيه فقال له أبو بكر إنني أجد ما تجد .يقول سيدنا حنظلة :
لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ؟ يا حَنْظَلَةُ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ إنْ لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. أي أن ما وجده ليس نفاقًا وإنما طبيعة إنسانية.
ومن مثل هذه النماذج من الوجل ما كان من بجير بن زهير بن أبي سلمى حين أرسل إلي أخوه كعب بن زهير يدعوه أن يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أهدر دماء من آذاه وهجاه فرد عليه كعب زهير بهجاء رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ففزع بجير وأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون قد وقع في محظور وينزل فيه قرآنًا هنا يكون وجل المؤمن من الوقوع في معصية أو تقصير، وأخبر رسول الله بما قال أخوه ورد على آخيه بأن رسول الله يقبل من يأتيه ويعفو عمن آذاه .
كما نجد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمنع أهله من الافادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفًا من أن يحابى أهله به،هذا هو وجل المؤمن . قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلًا أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلًا سمانًا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ… بخ… ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإبل؟ قال: قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون. قال: فقال: فيقولون: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.فمن حق سيدنا عبد الله بن عمر أن يتصرف كما يتصرف الناس في السعي على معايشهم لكن خوف عمر ووجله من الوقوع في حرام دفعه إلى التعامل بهذه الشدة.
ومن ذلك ما كان سببا أن يظل أبو أيوب الأنصاري في جهاد حتى توفاه الله رغم كبر سنه فقد روى الترمذي قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر… فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم لتتأولون هذه الآية هذا التأويل! وإنما أنزلت هذ الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها… فأنزل الله تعالى على نبيه يرد علينا ما قلنا: “وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” … الآية. وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الجهاد… فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. فهذا سبب النزول.