اللهو هو ما ينشغل به الإنسان من لعب وعبث فنقول لهوت به أي لعبت به أو انشغلت به كما يعني الرفض والترك فأقول لهوت عنه واللهو إذا استمرت من إنسان الورثه الغفلة والنسيان ومن هنا كان قوله صلى الله عليه وسلم: ” سألت ربي ألا يعذب اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم ” واللاهون هنا هم الذين أذنبوا بالخطأ دون قصد أو أذنبوا نسيانًا أو غفلة وهو ما يفسره قوله صلى الله عليه وسلم : “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” ومن معاني اللهو الترتيب الأسوأ للأولويات اي ترك العاجل من الأمور والانشغال بغيرة ومنه قول كعب بن زهير :
وقال كل خليل كنت آمله
لا ألهينك إني عنك مشغول
وإذا عرفنا أن القلب موطن التٓفٓكُر والتدبر والاحساس بالإطمئنان أو الخطر والرضا والقلق إلى آخر المشاعر التي تمثل بوصلة الإنسان في تصوراته واعتقاداته التي ينطلق منها إلى أفعاله وقيمه تجاه نفسه وتجاه الناس وقبل ذلك تجاه خالقه أو تجاه رؤيته لهذا الكون الواسع المعجز ، لذا وُصِف مركز كل شيىء بالقلب ومن هنا كان قول سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: “.. ألا إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله” – أقول:
إذا عرفنا ما يعنيه القلب لكل كائن وعرفنا ما يعنيه اللهو أدركنا معنى أن يقع القلب في لهو أيا كان نوعه فماذا لو صار هذا القلب لاهيا أي أصبح اللهو طبيعة فيه ولازمة من لوازمه..أي تحول من طبيعته المتمثلة في قيادة صاحبه للصواب إلى عكس مسئولياته أي أن ردود أفعاله تجاه ما يعرف أو ما يستجد أمامه تتحول تماما عما يجب أن يكون .
وقد ذكرت القلوب اللاهية في القرآن مرة واحدة وفي موضع لا يتناسب أبدا مع اللهو والانشغال كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول إن استحكام اللهو والهوى في هذه القلوب جعلها لاتنتبه إلى أي خطر مهما كانت جسامته ووضوحه ،يقول تعالى في جمل قصيرة مركزة ذات إيقاع حاد يناسب الحدث : “اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ” “المؤمنون “والآية الأولى تقرر أمرين وهما اقتراب الحساب وغفلة الناس رغم اقترابه ثم تورد الآية التالية حيثيات وعلامات هذه الغفلة الغريبة المتمثلة في التعامل مع كل جديد يذكرهم بالله والحساب والآخرة باستهانه فهم يستمعون وهم يلعبون وعندما يقول القرآن “محدث” فإننا نفهم أن هذا التذكر سبقة الكثير من النذر السابقة ثم يفسر المولى هذه الحالة بأن قلوبهم لاهية واستخدم اسم الفاعل ليؤكد أنها في حالة لهو وانشغال عن مهمتها الأساسية لا يتوقف أي أنه أمر ليس طارىء عليهم وإنما لهت قلوبهم وتمادت في لهوها حتى صارت طبيعة فيها .
جاء في ترجمة عامر بن ربيعة أنه كان قد نزل به رجل من العرب فأكرمه ثم جاءه هذا الرجل بعد ذلك فقال له :إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديًا في العرب وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك :نزلت اليوم سورة أذهاننا عن الدنيا وقرأ عليه : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ..”
وعندما نتأمل رد فعل عامر بن ربيعة – وهو أحد الذين سلموا في بدايات دعوة الرسول الناس وقبل أن يدخل رسول الله بيت الارقم – عندما سمع الآية ورد فعل الذين ينذرون فلا يعودون عن غيهم وإنما يسخرون ممن ينذرهم ويسخرون من النذر ويصفوها بالسحر: ” لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ” هنا ندرك الفرق بين القلب اللاهي الذي أماته اللهو والقلب الحي اليقظ المدرك لخطر ما يلقى عليه والفرق بين حياة لا تساوي جناح بعوضة تمسك بها صاحب القلب اللعب في الدنيا وحياة فيها رضوان الله عمل من أجلها أصحاب القلوب الخالصة لله.