ليس من طبعى الخوض فى معارك الفيسبوك، ولست من هواة توسيع شقة الخلافات وترويج الفضائح وتصيد الأخطاء، وأعرف جيدا أن كل ابن آدم خطاء، ولا عصمة إلا لنبي، ودائما أدعو الله أن يغفر لى خطيئاتى ويشملنى بعفوه وستره، ومن هذا المنطلق، وبعد متابعتى الجبرية لقضية معلمة المنصورة وما انتهت إليه، أجد فى نفسى بعض كلمات أريدها أن تصل عبر “عقيدتى” إلى ابنتى المعلمة، وإلى زوجها وأسرتها، وإلى وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين، وإلى المتداخلين والمحرضين والمتضامنين والمتقولين بغيرعلم، عسى أن تجد قبولا لدى هذه الأطراف، فيصلح بها الله تعالى بعض ما فسد .
أبدأ أولا بابنتى المعلمة، ولدي ابنة فى مثل سنها، متزوجة ولها أبناء مثلها تماما، فأقول لك ياابنتى بكل صدق الأب الحريص على بناته إن مافعلته لا يليق بك ولا بأسرتك ولا بمهنتك الراقية، وقد آن الأوان لتعترفى بذلك صراحة بينك وبين نفسك أولا، أنت معلمة فاضلة، وحين تريدين الرقص فليكن ذلك فى بيتك، ومع زوجك ومحارمك، بعيدا عن أعين المتلصصين والطامعين وأصحاب النفوس الخبيثة، لقد أمر الله تعالى أمهات المؤمنين بألا يخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض، فما بالك بمن تخضع بالجسد فى زمن استشرى فيه مرض القلوب بين الرجال، إلا من رحم ربى .
إن مشكلتك الأولى هى عدم اعترافك بالخطأ، وإلقاء اللوم على من صورك ومن نشر الفيديو على الإنترنت، ولاشك أن من فعلوا ذلك مخطئون، لكن الذنب الأول هو ذنبك أنت، ويجب أن تعترفى بذلك صراحة وتستغفرى ربك، وتعتذرى لزوجك وأسرتك وأولادك، وللمدرسة والوزارة والنقابة، ولكل جهة وكل فرد آلمه فعلك المشين، والمكابرة هنا لن تفيد، ولا يخدعنك من خرجوا يدعمونك بكلام معسول، ويحرضونك على الاستمرار فى الخطأ والدفاع عنه، حتى وصل الأمر بإحداهن أن توجه اللوم لزوجك الذى لم يقف بجوارك كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم داعما لأمنا عائشة رضى الله عنها فى حادث الإفك، والقياس هنا خاطئ يقينا كما تعلمين، فهى لاتدرى من أمر الإفك شيئا، وتهرف بما لاتعلم .
صدقينى يا ابنتى، الذين يهونون من خطئك، ويزينون لك العناد، هؤلاء لايحبونك، ولا يحبون لك الخير، وإنما يستخدمون مشكلتك لتسجيل مواقف وأهداف فى معارك لاعلاقة لك بها، وسوف يتركونك فى منتصف الطريق، حين تهدأ الضجة النسوية الفارغة التى أثاروها حولك، وتنحسر عنك أضواء الإعلام، وتصبحين مجرد رقم فى قوائم المطلقات .
نصيحتى يا ابنتى أن تواجهى نفسك بشجاعة بعد أن ظهرت الحقيقة، لابد أن تعترفى أن الرقص أمام رجال أغراب حرام، والاحتكاك بالزملاء عيب كبير، وسكوتك على من كان يصورك بالمحمول يعنى موافقتك، ليس صحيحا أنك ” ماعملتيش حاجة “، لا يا ابنتى أنت أخطأت، وعليك أن تطلبى من الله المغفرة، وتعتذرى صراحة، عسى الله أن يغفر لك، وعسى أن يقبل اعتذارك لدى من أسأت إليهم، فتنفتح لك بعد ذلك أبواب التوبة والرحمة، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .
أما كلمتى الثانية فهى للمسئولين فى الوزارة، الذين حققوا مع المعلمة وزملائها، وانتهوا إلى قرار بفصلها من وظيفتها، لقد كان لكم كل الحق فى اتخاذ قرار حاسم فى هذه الأزمة حفاظا على هيبة التعليم ومكانة المعلم، وأرجو أن تكونوا قد عاقبتم الرجال الذين رقصوا بمثل ماعاقبتم به المعلمة، فإن رقص الرجال لايقل سوءا وبذاءة وخزيا عن رقصها، وذنبهم لايقل عن ذنبها، بل يزيد .
والشاعر يقول : ” فقسا ليزدجروا، ومن يك حازما .. فليقس أحيانا على من يرحم “، ولقد قسوتم وزجرتم، ووصلت رسالتكم مقدرة إلى المجتمع المصرى بأسره، وجاء الآن أوان الرحمة، والله سبحانه وتعالى غفور رحيم، وأظن أن اللوائح تسمح بأنه إذا تقدمت المعلمة باعتذار والتماس لتخفيف العقوبة إلى السيد الوزير فسوف يقبلها مشكورا، رحمة بهذه الشابة التى خسرت وظيفتها وبيتها وأولادها وأسرتها، وصارت مستحقة للرحمة والتسامح، ربما يصلحها هذا التسامح، وينقذها من ضلالات أخطر، ويفتح لها طريق العودة إلى حياتها العادية.
وكلمتى الثالثة أوجهها إلى الزوج المحترم والأولاد والأسرة، أقول لهم : جل من لايخطئ، وهى قد أخطأت لاريب، فإذا اعتذرت وتابت إلى الله فاقبلوها واغفروا لها وارحموها، فقد أمرنا الله بالرحمة، وحبيبكم صلى الله عليه وسلم يأمركم ” ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء” ، وكلنا فى أمس الحاجة إلى رحمة الله، فلعل هذا الابتلاء أن يكون نعمة من الله بدلا من أن يكون نقمة، ويا أيها الزوج ترفق بأم أولادك، واعلم أن الأولاد ـ مهما كان ـ لن يجدوا حضنا أحن من حضن أمهم، وأنك إن ضممتهم إليك ضاعوا، وإن تركتهم لها جاعوا، فاغفر لها قربة لله، وأعدها إلى بيتها، ولا تذكرها بما فعلت، إن الله غفور رحيم .
والكلمة الرابعة أقولها للقيادات النسائية وجمعيات ومجالس حقوق المرأة : أرجوكم اتركوا هذه السيدة فى حالها، اتركوا جرحها يلتئم، لاتفسدوا حياتها أكثر من ذلك، اعطوها فرصة لتراجع نفسها، لعلها تتوب وتندم، ولعل الله يعينها فى العودة إلى وظيفتها وزوجها وبيتها وأولادها، وشكر الله سعيكم.