أن الجمعيات الأهلية في مصر لكي تتمكن من العمل، فلابد من توفر البيئة الداعمة، التي تتضمّن شقًا تشريعيًّا يتمثّل في القانون، وآخر تنظيمي، وهو اللائحة التنفيذية. أن فكرة ميكنة العمل الأهلي في مصر لا تقتصر على استخدام التكنولوجيا في مصر،
لكنه تم تحديد كل الأنشطة والخدمات التي تحتاجها الجمعيات الأهلية وفقًا لما نصّ عليه القانون، وكيفية تقديمها بصورة مُيسرة، وبالتالي تتم مراجعة عملية تقديم الخدمة، وصولًا إلى أنسب تكنولوجيا يمكن أن تحقق الهدف المرجو منها.
الفساد ظاهرة خطيرة تهدد الدولة وأمنها، سريع الانتشار، له آثاره السلبية على الصعيدين الداخلي والخارجي، تتعدد وتختلف صوره ومظاهرة وأنواعها، ولمواجهة هذه الظاهرة لا بد من تضافر الجهود الدولية والوطنية من أجل ذلك، ويتجسد ذلك بالاتفاق على وضع استراتيجيات تشريعية ومؤسساتية فعالة،
ومن بين هذه الاستراتيجيات تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني كفاعل من فواعل الحكم الراشد، هذه المؤسسات التطوعية الحرة تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها والمجتمع ككل، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتآخي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف والتي تشمل الجمعيات، والروابط، والنقابات، والأحزاب السياسية، بحيث تقوم بأدوار مختلفة من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته، إذ تعزز قيم النزاهة والمساءلة والشفافية، فالتوعية من أجل الوقاية، والتعبئة والتأثير للمكافحة.
أصبح الفساد مدرجاً في أجندة كافة المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، وينظر إليه كسبب رئيسي في إعاقة جهود التنمية البشرية وبناء الحكم الجيد، وفي هذا السياق برز اهتمام مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان بالفساد، وعقدت عشرات المؤتمرات وورش العمل الخاصة بمناقشة الفساد كظاهرة والكشف عن مظاهرها وآثارها على المستويين العام والخاص. ونحن في هذه الورقة نقدم إسهاماتنا في تأصيل فكرة الشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد وتحديد ميكانيزمات هذه الشراكة ومبرراتها.
في هذا السياق يمكن القول إنه من المتعذر على الدولة أن تقوم منفردة بتنفيذ الاستراتيجية الخاصة بمكافحة الفساد، لذلك يلزم وفقاً لمنطق الضرورة والاحتياج اعتماد منهج الشراكة المجتمعية، ولتفعيل ذلك يجب على الحكومة أن تجدد طرائقها في الإدارة وتمكّن الناس من المشاركة الشعبية. والمطلوب هنا هو تجديد مهام ووظائف الدولة وفق مبدأ الشراكة،
وأن تنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد لا يقتضي دولة منكمشة وضعيفة، بل يستلزم دولة فاعلة (مؤسسياً وقانونياً). وهنا نقول إن الحكومة التي تعمل في مكافحة الفساد هي أيسر منالاً في ظل النظم الديمقراطية، وكلما اتسع فضاء الحريات وتزايدت فرص المجتمع في عملية المساءلة هنا تكون الحكومة الجيدة أو الحكم الجيد باعتباره ضرورة حيوية في مجال تنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد.
مكافحة الفساد يتطلب مشروعاً سياسياً وإنمائياً يوسع من فرص المشاركة المجتمعية ويعزز من دور الدولة لقد ارتبط الوعي المجتمعي بالحاجة إلى المشاركة الشعبية في إدارة شؤون المجتمع ومكافحة الفساد بعدم الرضا عن أداء الحكومات وقدراتها المحدودة تنموياً (بطء إجراءات الحكومة وتعقيدها وعدم كفاءتها وضعف مصداقيتها وانتشار الفساد في مؤسساتها وغياب المساءلة والشفافية وتزايد مخاطر الفساد على معيشة الأفراد وتأثيراته السلبية في مفهوم المواطنة المتساوية)،
ولأننا نرغب في تعظيم الشراكة المجتمعية واستدامتها فإن المدخل الأفضل هو تعميق هذه الشراكة في مختلف مجالات التنمية وبناء الحكم الجيد. فمكافحة الفساد تتطلب مشروعاً سياسياً وإنمائياً يوسع من فرص المشاركة المجتمعية، ويعزز من دور الدولة وآلياتها القانونية والدستورية.
معنى ذلك أنه يجب أن يكون لأفراد المجتمع صوت مسموع في تشكيل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشون في ظلها، وهنا تكون الشراكة المجتمعية عاملاً مهماً في ترشيد السياسات والقرارات الحكومية (عقلنتها وتنظيمها) وفي تمكين أفراد المجتمع من التعبير عن مصالحهم وقضاياهم. إن مواجهة الفساد يجب أن تمثل اليوم عنصراً أساسياً من عناصر نضال المجتمع المدني، أخلاقياً وأدبياً سياسياً وحضارياً وركيزة أساسية من ركائز بناء الدولة المدنية الحديثة.
الجدير بالذكر أن الفساد في اليمن وفي معظم الدول العربية أصبح سمة أساسية لنظام الحكم وهو الناظم الرئيسي لدواليب الحياة اليومية. ولذلك ننظر إليه باعتباره ظاهرة معقدة متعددة المظاهر والأساليب ترتبط به تداخلات كثيرة من السياسي والاقتصادي إلى الثقافي والاجتماعي علاوة على العامل الخارجي.
ولعل أهم ملمح في ظاهرة الفساد ليس التعريف السطحي والسائد في الوعي العام من حيث إنه استغلال الوظيفة العامة لمصالح شخصية، بل أصبح الفساد عملية يخطط لها ويعاد إنتاجها وفق استراتيجية تعزز استملاك السلطة والثروة لنخبة من الأفراد يعززون علاقاتهم وفق نمط قرابي يجعلون مراكزهم الوظيفية منطلقاً للاستحواذ على المال العام. وهنا تضعف الدولة وتغيب آلياتها القانونية والدستورية، وهنا تكون الشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد تعبيراً وطنياً عن تصحيح متطلبات الوجود الفردي والجمعي وإنتاج دولة الحق والقانون.
مواجهة الفساد يجب أن تمثل اليوم عنصراً أساسياً من عناصر نضال المجتمع المدني
تحديد مفهوم الشراكة
سنذهب في تحديد مفهوم الشراكة بدلالاته العامة والتي تنطبق على مختلف الجهود المجتمعية سياسياً وإنمائياً حتى ندرك أهمية المفهوم ومبررات استخدامه ومن ثم يمكن تناوله في قضايا جزئية مثل مكافحة الفساد.
ويعبر مفهوم الشراكة (Partnerships) في دلالاته العامة عن أن المواطن يجب أن يكون له دور فعال في المجتمع الذي يعيش فيه على المستويين الوطني/ المحلي. ولما كان أهم ما يميز الإدارة الحديثة (إدارة المؤسسات/إدارة الدولة)هو إشراك المستفيدين من نشاطاتها. فإن تحقق ذلك يستلزم إجراءات متعددة تستهدف تمكين المواطن من المشاركة في الشأن العام من خلال مؤسسات أهلية تعتمد الشراكة مع المؤسسات الحكومية. فالشراكة المجتمعية تقلل من أخطاء المركزية (قصور وعجز وتعقيد بيروقراطية الجهاز الحكومي).
الشراكة كمفهوم: تتضمن وعياً جديداً لدى الدولة والمجتمع بعدم انفراد الدولة في عملية التنمية الشاملة وبأهمية المشاركة المجتمعية من خلال أساليب متعددة ومتنوعة. وهنا يأتي مفهوم الشراكة ليبلور عملياً تضامن الجهود الرسمية والأهلية.
فالمشاركة المجتمعية تجسد مبادئ التعاون والتضامن في إطار رؤية تنموية جديدة تستهدف تفعيل وعي المواطن ونشاطه لتحسين معيشته وضمان سلامة البيئة المحيطة به، ووفقاً لذلك تكون الشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد ضمن رؤية استراتيجية تعتمدها الدولة، ويشارك في إعدادها وتنفيذها المجتمع من خلال أطره التنظيمية المختلفة.
الشراكة كمنهج: تتضمن اعتماد حزمة من الإجراءات العملانية (آليات، ميكانيزمات، مؤشرات كمية ونوعية)نقيس من خلالها تحقق المشاركة الشعبية وفق أطر مؤسسية حديثة (جمعيات، منظمات، نقابات، مجالس محلية)، ويعني ذلك العمل من خلال واحد أو أكثر من أساليب متعددة لإشراك أفراد المجتمع في استراتيجية مكافحة الفساد وتوزيع الأدوار بين الشركاء وفق قدراتهم ومجالات نشاطهم،
فليس من المهم إعداد وثيقة أو استراتيجية لمكافحة الفساد، بل المهم أيضاً تنفيذها على أرض الواقع، وهنا تكون الشراكة المجتمعية آلية مهمة في استدامة العمل الجمعي المناهض للفساد والداعم لبناء الحكم الرشيد.
الشراكة كعملية: (تهدف إلى توسيع الخيارات أمام المجتمع)، وتتضمن مجموعة السياسات والإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لتمكين أفراد المجتمع من المساهمة في وضع الآليات على المستويين المحلي والوطني من أجل محاصرة بؤر الفساد وكشفها أولاً بأول وهذا يعني خروج الأفراد من حالة السلبية والتلقي إلى حالة المشاركة والفاعلية. وهنا تكون العملية المجتمعية دفاعاً عن حقوقهم السياسية والإنمائية، وليس مجرد التصدي لأعمال الفساد والخروج على القانون.
وبشكل عام يمكننا القول إن الشراكة (كمفهوم، وعملية، ومنهج) تعتبر حزمة متكاملة تتضمن عدداً من الآليات والأساليب والإجراءات والأطر أو القنوات المؤسسية التي يتم من خلالها تفعيل المشاركة المجتمعية في مختلف عمليات التنمية الشاملة. وللوعي بهذه العملية لابد من نشر وتعميم مفهومها ودلالاتها. أي العمل على إكساب الأفراد والجماعات (رجالاً ونساء) وعياً تنموياً جديداً يتضمن طرائق وأساليب مبتكرة تفعّل قدراتهم الجمعية والفردية من أجل تنمية مجتمعهم وتحسين معيشتهم. وهنا تبرز شخصية الأفراد والجماعات حيث يتجاوزون ثقافة الخنوع والسلبية والتواكل إلى ثقافة العمل والإنتاج والإصرار على تحقيق الذات،
وهنا يكتسبون طرقاً وأساليب جديدة من أجل تنمية مجتمعهم وتحسين معيشتهم، وبالتالي تتزايد قدراتهم الجمعية في العمل التنموي المفيد لهم. وفي هذا السياق تكمن أهم آلية في استدامة التنمية وبناء الديمقراطية ومكافحة الفساد من خلال الشراكة بين الجهود الرسمية والأهلية.
ركائز خمس للشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد:
1- الإقرار الرسمي بأهمية الشراكة المجتمعية.
2- تيسير الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بقضايا الفساد وإزالة القيود الإدارية التي قد تعيق تحقق هذا المبدأ.
3- بناء تحالفات مجتمعية مناهضة للفساد يتم ترتيبها بنيوياً في مستويين أفقي وعمودي.
4- تكثيف الجهود التوعوية بمخاطر الفساد على الفرد والمجتمع.
5- تعزيز قيم النزاهة الوطنية واعتماد مبدأ الشفافية والمساءلة، وهنا لابد من اعتماد التربية المدنية كمدخل تربوي وتثقيفي عام.
صفوة القول إننا في اليمن يجب أن نتحدث ليس فقط عن الفساد بمعناه العام من حيث استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة، فهذا أمر واضح للعيان ويدركه كل مواطن، بل أيضاً يجب أن نتحدث عن الإفساد المخطط له وفق عملية الريع السياسي التي يسيطر من خلالها نخبة على مختلف المؤسسات الإنتاجية، ويجب أن نتحدث كذلك عن ثقافة الفساد التي تشرعن وجود الفساد وتوجد تقبلاً اجتماعياً له. وهنا يمكن القول إن مكافحة الفساد لا يمكن أن تنجح إلا في ظل نظام الحكم الرشيد واعتماد الشفافية والمساءلة من المجتمع تجاه الحكومة والحزب الحاكم. إلا أنه من جانب آخر لا يمكن القول إن الشراكة المجتمعية تعتبر حلاً سحرياً لمكافحة الفساد خاصة في مجتمع يتصف غالبية سكانه بالأمية وعلاقاتهم الأفقية والعمودية تتم وفق محددات عصبوية، الأمر الذي يتطلب جهوداً نوعية في تحفيز الرأي العام وإيجاد تحالفات مجتمعية مناهضة للفساد.
فقد ساد في أوساط المجتمع أن تحقيق المصالح الشخصية يتم عبر مراكز القوى، وأنه على كل ذي حاجة أن يتقرب إلى واحد أو أكثر من تلك المراكز، كما سادت في المجتمع ثقافة الخنوع والتواكل والقدرية، وكل ذلك من شأنه إضعاف فاعلية المجتمع في التصدي للفساد، فالخطاب السلفي، كما الخطاب الحكومي، كلاهما يعزز ثقافة الخنوع وإضعاف روح النقد والمساءلة. كما أن منظمات المجتمع المدني (المنظمات الأهلية) ليس كلها في مستوى من المعرفة والخبرة تجاه قضايا الفساد وغالبيتها نشأت لتحقيق منافع مادية لأصحابها،
وقد شهدنا في السنوات الخمس الأخيرة ظهور عدد كبير من المنظمات الأهلية لا تهتم بقضايا الشأن العام إلا من زاوية الربح والمنافع المادية، وهنا نكون أمام معضلة كبيرة لا يمكن معها القول إن المجتمع المدني يشكل كتلة مجتمعية فاعلة، بل يمكننا القول إن قلة من نشطاء المجتمع المدني (أفراداً ومنظمات) يمكن أن ينهضوا بوعي وفاعلية تجاه قضايا الوطن المصيرية ومنها بناء الحكم الرشيد وتحقيق تنمية مستدامة ومكافحة الفساد وهو مشروع طويل الأمد.