أن المشرع من خلال هذا القانون أعطى نوع من الخصوصية لجرائم الفساد وذلك من إخلال إعطاء القضاء نوع من الفعالية في جزر تلك الجرائم بداية من تحريك الدعوى العمومية إلى غاية العقوبة المقررة لتلك الجرائم والظروف المحيطة بالجاني مرورا بالخصوصية المتعلقة بتقادم جرائم الفساد وكذا ظروفها لذلك سوف نحاول تسليط الضوء على دور القضاء في متابعة جرائم الفساد وذلك مرورا بتحريك الدعوى العمومية إلى غاية الجزاء المقرر لتلك الجرائم
بات الفساد ظاهرة عالمية تهدد المجتمعات وبقائها ، وبدت الانقسامات المجتمعية تتضاعف في البلدان التي ينتشر فيها الفساد بمختلف أنواعه وتسمياته ، بأن التشريعات الجنائية حرصت على تقرير نظام عقابي خاص لمواجهة جرائم الفساد مما استوجب بنا بيان المظاهر القانونية للفساد السياسي المتمثل بالرشوة الدولية والرشوة الانتخابية أن الفساد لم يعد متعلقا بالجانب الاقتصادي فحسب بل امتد إلى الجوانب الأخرى
السياسية والاجتماعية ومع أن الإطار التشريعي لجرائم الفساد ومعاقبة مرتكبيه يستلزم وجود نظام إجرائي فعال ومتكامل لملاحقة المتهمين ومحاكمتهم واسترداد عوائد نشاطهم الإجرامي مما تطلب بالدراسة بيان أهمية الملاحقة الإجرائية من خلال بيان دور النيابة العامة في التحقيق في تلك الجرائم وكل ما يتعلق بالفساد الإداري والمالي وهذه الجرائم المرتكبة قد تكون أحيانا ذات طابع دولي ولها صلة بجرائم الجريمة المنظمة غير الوطنية
وقد تناولنا بيان معالجة أسباب الفساد والذي التي يكون فقط عن طريق النصوص القانونية لمعاقبة مرتكبي الفساد وإنما في الإجراء الوقائي من خلال تعزيز قيم النزاهة وتحمل المسؤولية بأمانة وأخالص واحترام القانون وهذا هو الأساس ،
وان لتعزيز تلك المفاهيم دور كبير في مواجهة الفساد في قمة الهرم السياسي وفي قاعدته . وكشفت هذه الدراسة استراتيجية مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة ببيان عمل تلك السلطات الثالث التشريعية والتنفيذية القضائية والدور الفعال الذي يمارس من قبلها من خلال خلق منظومة قانونية تحكم عملها وتراقب أدائها وتحاسب مفسديها وفق القانون.
تحتل نظرية الدعوى العمومية مكاناً أساسياً في القوانين الإجرائية الجنائية المختلفة، فهناك تلازم بين سلطة الدولة في العقاب وبين الدعوى الجنائية، فمن المقرر أنه لا عقوبة بغير دعوى جنائية، حيث إن حق الدولة في العقاب هو حق قضائي
وتباشرها النيابة العامة، ولا يجوز التصرف فيها بالتنازل عنها أو التعهد بعدم تحريكها أو بالتخلي عن الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها، وكل تصرف منها يفيد ذلك يقع باطلاً
، وقد جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية المصري أنه لا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون
وبذلك لا يجوز لها الدخول في أية مساومة مع الجاني بغرض إعفائه من المسئولية الجنائية أو إفلاته من العقاب، ولو كان ذلك في مقابل التزامه بإصلاح الضرر الناشئ عن جريمته
فالنيابة لا تملك أن تتنازل عن حقها في ذلك بالتصالح مع المتهم ، وبذلك تعد الدعوى الجنائية وبحق إحدى حلقات الشرعية التي حرصت الإنسانية على التمسك بها؛ لما تنطوي عليه من ضمان إجراء محاكمة عادلة للفصل في إدانة الفرد من عدمه عن أي جريمة تنسب إليه، حيث تهدف إلى تحقيق العدالة، وتعتبر ضمانة مؤكدة من ضمانات المتهم ، بيد أن الدعوى الجنائية ليست حفلة عامة لإذلال المتهم ، وهذه أصول قدمت البشرية لإقرارها كثيراً من التضحيات، وبقيت متمسكة فيها كرد .( فعل إزاء ما كانت تعانيه من تعسف في التجريم والعقاب في أغلب المجتمعات.
وبالفعل وفي بدايات القرن العشرين تدخلت الدولة في شتى مجالات الحياة رافقه تضخم تشريعي في المجال الجنائيinflation pénale جعل أجهزة العدالة الجنائية ترزح تحت وطأة كم هائل من القضايا والأعباء التي تتجاوز بكثير هذه الأجهزة، مما أدى إلى تأخير في حسم القضايا، وحال دون قيام القضاء بممارسة دوره في تفريد العقوبة بالشكل المناسب،
كما حال دون ممارسة الأجهزة المختصة بتنفيذ العقوبة لدورها في تفريد المعاملة العقابية وتحقيق الإصلاح المنشود، فبدت العقوبة قاصرة عن تحقيق أهدافها في الردع والإصلاح، فارتفعت نسب العود والتكرار، وبدأ الشك يحيط بالعقوبة وفاعليتها كوسيلة في قمع ظاهرة الإجرام والقضاء عليها أو التخفيف منها، فنشأ ما بات يعرف بأزمة العقوبة
وأدى التوسع في التجريم إلى الإسراف في استخدام الدعوى الجنائية لتحقيق سلطة الدولة في العقاب، وتزامن هذا الإسراف مع طول الإجراءات الجنائية فأصبحت المعاناة ذات وجهين، وجه عقابي سببه هذا التوسع في التجريم، ووجه إجرائي سببه الدعوى الجنائية وظهر إلى السطح ما يعرف بأزمة العدالة الجنائية Justice pénale la crise de فالعوامل التي تعرقل سير العدالة الجنائية تتعدد وتتضاعف يوماً بعد يوم، من تعقيد في الإجراءات،
وإغراق في الشكليات، ووحدة السلاح الإجرائي المستخدم -كقاعدة عامة- على الرغم من أن الظاهرة الإجرامية متعددة ومتنوعة إلى جانب الزيادة الكبيرة في عدد الجرائم كماً ونوعاً، إلى الحد الذي أمكن معه القول بأن العدالة الجنائية -المرفق الذي ينصف الآخرين- قد أصبح في حاجة لمن ينصفه ، ويربط بعض الباحثين بين طبيعة النظام الإجرائي السائد في الدولة وبين سرعة الإجراءات، حيث ان النظام الاتهامي يحقق أكبر سرعة ممكنة في الإجراءات، عن النظام المختلط، بينما يشوب النظام التنقيبي بالبطء وتعقيد سير الدعوى الجنائية.
ففي فرنسا يتم كل عام إثبات حوالي 3,5 مليون جريمة، وهذا المعدل تم تسجيله في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك المعدل الأسود الشهير للإجرام، وهذه الظاهرة في مجموعها تكشف عن وجود أزمة للعدالة الجنائية
، وهذا بالإضافة إلى قرارات الحفظ حيث ، تم حفظ 80 % من الشكاوى التي وردت إلى النيابة العامة على سبيل المثال في عام 1993وهذا يدل على حجم الأزمة وهو نفس الحال في جميع الأنظمة القضائية، ففي مصر ترد إلى النيابات ملايين الشكاوى، وفي فلسطين هناك 58 الف قضية مدورة، حتى منتصف عام 2009 ، ويزيد عدد الدعاوى التي تعرض على النيابة العامة الألمانية سنوياً على ثمانية ملايين قضية ، والحقيقية التي لا يمكن إنكارها، أن كماً من الأدلة ضاعت بسبب طول الإجراءات وتعقيدها، أو كماً من مجرمين ارتكبوا أشد الجرائم فتكاً وضاعت أدلة الاتهام ضدهم، فعادوا إلى مجتمعاتهم أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم، ومن ناحية أخرى، فإن سنوات طوالاً تفصل بين وقوع الجريمة وتوقيع العقاب تقود إلى عدم الثقة في القانون،
وتضعف من نفوذه وهيبته في نظر الجميع، فالرأي العام لا يهتم بالعقوبة قدر اهتمامه بالجريمة، ولا شك أن بطء العدالة يطمر فكرة الردع القانوني.
ومع مرور الوقت ينسى الناس أن هناك عقاباً سوف يطبق، وتظل الجريمة قائمة في أذهانهم ويتزايد لديهم الإحساس بأن المجرم قد مر دون عقاب، ولا شك أن كل ذلك يخلع من المجتمع إحساسه بالثقة والأمن، ويولد نزعات الثأر الفردي مع ما يقود إليه من هدم لوجود الدولة ذاتها.
فالتجربة أثبتت قصور العدالة التقليدية في مواجهة ظاهرة تزايد منازعات الجمهور في النطاق الجنائي وكذلك كشفت خطورة أزمة وسائل التنظيم .( الاجتماعي، فضلاً عن قصور السياسة الجنائية التقليدية في معالجة هذا النقص.