أن مواجهة الفساد في أي مجتمع ينبغي أن تتواكب مع خطط وبرامج التنمية والإصلاح الاقتصادي الذي تنشده العديد من دول العالم، ومن بينها دول عربية، وتقول: من المهم أن تتحرك كل الدول لمواجهة لصوص المال العام ومحترفي الرشى،
وهؤلاء الذين أدمنوا العدوان على المال العام، سواء أكان هؤلاء من كبار أو صغار الموظفين الذين تمتد أياديهم الآثمة إلى المال العام بالسرقة والنهب، أو كانوا من معدومي الضمير الذين يستغلون الظروف الراهنة بسبب جائحة كورونا ويجمعون أموالاً محرمة.
لا تجد غرابة في انتشار الفساد أوقات الأزمات، وتؤكد أن تقرير منظمة الشفافية الدولية لم يأت بجديد لكنه يكشف عن استمرار تدني أخلاق بعض البشر في الأوقات الصعبة التي تمر بها البشرية.
ومع تشديدها على أهمية وسائل مواجهة الفساد المعتمدة في كل دولة وفقاً لمنظومتها القانونية والتشريعية، تؤكد الدكتورة عالية على ضرورة أن يكون للمواطنين في كل دولة دور في مواجهة الفساد سواء عن طريق تقديم النصائح للمتورطين في الفساد، أو عن طريق الإبلاغ عنهم، وهذا الدور الشعبي مهم للغاية في المواجهة، وهو يؤكد إيجابية الإنسان ووطنيته وحرصه على استقرار بلده، والتوجيهات الدينية تحث على ذلك.
مع ضرورة أن يكون للإعلام أيضاً دور في المواجهة الفاعلة، فإعلام كل دولة لديه مسؤوليات عديدة؛ من بينها مواجهة كل ما يضر بأمن واستقرار المجتمع، والفساد الاقتصادي يتصدر قائمة الفساد التي تؤثر على أمن واستقرار مجتمعاتنا، وقد قامت ثورات في دول عديدة حول العالم – ومن بينها مجتمعات إسلامية – بسبب الفساد.
ونحذر من الشائعات والأكاذيب التي تجري خلفها بعض وسائل الإعلام دون وجود ما يدعمها على أرض الواقع، وتقول: المسؤولية الأخلاقية والمهنية تفرض على كل وسائل الإعلام أن تكون موضوعية في تناول قضايا الفساد،
ذلك أن إشاعة ثقافة الفساد والمبالغة في رصده والحديث عنه تضر المجتمع أكثر مما تفيده، حيث تصيب كثيراً من المواطنين بالإحباط وتثبط همم العمل والإنتاج، وتلحق اتهامات ظالمة بأبرياء، أو متهمين قيد التحقيق، ولذلك فإن بيانات الفساد ينبغي أن تؤخذ من مصادر موثقة وليس من أفراد أو جماعات أو منظمات مناهضة للمجتمع.
ويجب كل مواطن بالتخلي عن سلبيته، والتصدي للدفاع عن المال العام، وحمايته من اللصوص والمجرمين بكافة أشكالهم، كما تطالب بالتصدي للمستغلين لحاجة الناس في أوقات الأزمات وفرض ما يريدون من أسعار وأرباح عليهم، المواجهة الشعبية للفساد من الواجبات الوطنية والدينية مادام الأمر في نطاق قدرة الإنسان ومسؤولياته، لأن السلوك السلبي هنا يلحق الضرر بالمجتمع كله، وقد حققت منظمات حماية المستهلك حول العالم – وهى منظمات مجتمع مدني في معظمها – نتائج جيدة في مواجهة فساد التجار والشركات المستغلة لحاجة الناس.
أن الأحداث التي يمر بها العالم الآن تؤكد حاجة البشرية إلى عدالة المنهج الإسلامي لتحقيق العدل بين الناس، ولمواجهة كل صور الفساد، واقتلاعه من جذوره، وحماية البشر من الأمراض الفتاكة، ويقول: من المقرر شرعاً أن الإسلام دين ودنيا، عقيدة وشريعة وأخلاق وسلوك ومعاملة، وأنه جاء ليصلح الدنيا، ويهدي الناس إلى سبل الخير والفلاح في الدنيا والآخرة،
ولا شك أن من هوادم الحياة عامة الفساد بتعدد صوره وأشكاله وأنواعه، والفساد بأشكاله وألوانه يواجهه الإسلام، ولعل من المفسدات الشائعة في عالم اليوم: السلطة المطلقة، واستغلال الوظيفة أو السلطة في تحقيق النفع لصاحبها أو للغير،
وتعطيل الأحكام، والاختلاس والرشوة، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والظلم، ومحاباة بعض الناس على حساب ظلم الآخرين، وعدم احترام وقت العمل، وضعف الإنجاز، والتشاغل أثناء العمل بما ليس منه، والعزوف عن المشاركة الفاعلة، والإسراف في استخدام المال العام فيما لا فائدة فيه، وسوء توظيف الأموال،
وإقامة مشروعات وهمية، والعبث بالمناقصات والمزايدات والمواصفات …إلخ.. وكل هذا الفساد يواجهه الإسلام ويقتلعه من جذوره، ويجب على المسلمين أولاً أن يطبقوا منهج دينهم الخاتم في مواجهة الفساد حتى يقدموا للبشرية نموذجاً فريداً في تطهير المجتمع من الفاسدين والمتجاوزين.
الأعمال الفاسدة مجمَع على حرمتها، ويكفي أن القرآن الكريم حارب الفساد والفاسدين، ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى في الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) البقرة205، وقوله جل وعلا: (ولا تَبْغِ الْفَسَادَ في الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص77.
أن شيوع الفساد في مجتمعاتنا المعاصرة هو أحد أهم مظاهر البعد عن منهج الله، ولذلك فإن نشر تعاليم الإسلام وما جاء به من تحذيرات وإجراءات لمحاسبة الفاسدين يسهم في تطهير مجتمعاتنا المعاصرة مما تعاني منه من مظاهر الفساد المختلفة. ويضيف قائلاً: هناك مجتمعات إسلامية تواجه الفساد بجدية، وهذه يجب أن ندعم جهودها،
وهناك مجتمعات أخرى استشرى فيها الفساد وتعاني الآن من مشكلات اقتصادية واجتماعية طاحنة، ولا يخفي المسؤولون فيها ما تعانيه من الفساد، حيث نتلقى الأخبار عن ذلك كل يوم.مع ضرورة تطبيق أساليب المواجهة الإسلامية لكل صور الفساد المالي والإداري في عالمنا الإسلامي عموماً، خاصة بعد الشكوى من شيوع الفساد في أكثر من بلد، وعدم قدرة أساليب المواجهة الأخرى على ردع الفاسدين، وحماية المال العام من أطماعهم..
عندما يوجد الفساد تغيب العدالة، ولذلك فإن تداعيات الفساد لا تقف عند الإضرار بالمال العام وحده، ولا بأموال من يقدمون الرشى لقضاء مصالحهم والحصول على حقوقهم فحسب، ولكن تداعيات الفساد تنعكس على المجتمع كله، والكل يدفع الثمن.
الموضوعية والأمانة تقتضي أن نقرر أن الفساد الاقتصادي ليس ظاهرة خاصة بمجتمعاتنا، وليس من الصواب إلصاقه بالمجتمعات الإسلامية أو العربية، فالفساد موجود في كل مكان، وقد أعلنت دول كنا نعدها مثالاً في النزاهة والشفافية عن وجود فساد فيهاـ ولأن الفساد يرتبط بالإنسان ونوازعه وتربيته وأخلاقه، فهو يوجد حيث يوجد الإنسان، ولا يرتبط بأتباع دين معين، ولكنه يجد مناخاً خصباً حيث تغيب التربية الأخلاقية للإنسان، وحيث تغيب الضوابط والإجراءات التي تحقق العدالة بين البشر.
أن الشريعة الإسلامية قادرة على اقتلاع الفساد من جذوره لو طبقنا تعاليمها وقواعدها تطبيقاً صحيحاً ودققنا في اختيار من يتولى المسؤوليات العامة، فهذه الشريعة العادلة هي أول من رفع شعار (من أين لك هذا)، وهي من قررت عقوبات رادعة لكل من يمد يده إلى مال عام أو خاص.
. كما جاءت بأساليب مواجهة متعددة ومتنوعة لردع المرتشين والمزورين والمحتكرين، ولصوص المال العام، ويجب الاستفادة من الرؤى الإسلامية خاصة في ظل تنامي الفساد، وعدم قدرة أساليب المواجهة التقليدية المطبقة حالياً؛ على محاصرة المفسدين، وتطبيق العقوبات الرادعة عليهم.
الحكومات بالتأكيد مسؤولة، فهي التي تمتلك الأجهزة الرقابية، وهي من تؤسس للقوانين والتشريعات اللازمة للمواجهة بما تحمل من عقوبات رادعة، وهي من تختار الموظفين العموميين، وهي من تطبق القوانين المعنية بالمواجهة.
. لكن لا يمكن أن تتحمل الحكومات وحدها عبء مواجهة الفساد، فلا تستطيع أية حكومة وضع رقيب على كل موظف مشتبه به، خاصة وأن التحايل على الفساد والهروب من عقوباته موجود في كل مكان، ولذلك فإن مواجهة مظاهر الفساد مسؤولية المجتمع كله، ولذلك أخبرنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن عقاب جريمة الرشوة يشمل المرتشي والراشي والرائش – وهو الوسيط بينهما – فكل هؤلاء شاركوا في الجريمة، ولولا وجود الراشي ما وجد المرتشي .
.وهكذا. ضرورة استنفار كل أفراد المجتمع ضد الفساد، مشدداً على ضرورة أن تكون المواجهة عامة وشاملة لكل المفسدين الذين ينتشرون في كل مكان، ويدمنون السطو على المال العام، واغتصاب حقوق الآخرين. ومن هناك يطالب بنشر ثقافة «المسؤولية الجماعية» لمواجهة الفساد، وهي مسؤولية مقررة شرعاً، وتدعمها النصوص الدينية..
إشاعة المسؤولية هنا لا يعني إضاعتها إطلاقاً، بل يعني أن يتحمل كل فرد من أفراد المجتمع مسؤوليته في مواجهة الفساد، فهناك مسؤولية على كل مسلم في نطاق صلاحياته ومسؤولياته، وما يصل إلى سمعه وبصره من صور الفساد الثابتة والمؤكدة حتى لا نأخذ الناس بالشبهات، ونتهم الأبرياء بالفساد. من أهم عطاءات المنهج الاقتصادي الإسلامي مواجهة الفساد بكل صوره وأشكاله، فتعاليم الإسلام توفر البيئة النظيفة الخالية من الفساد،
وهذا في حد ذاته يسهم في تحقيق الطموحات الاقتصادية للمجتمعات والمؤسسات والأفراد، حيث يوفر حوافز اقتصادية لكل صاحب مال أو فكر استثماري منضبط وملتزم بتحقيق العدل، وهذا من شأنه أن يوفر للمجتمع الأمان والاستقرار الاقتصادي الذي تتحقق في رحابه كل طموحات الإنسان، كما حرم الإسلام تحريماً قاطعاً جميع طرق الكسب غير السليم، وهي الوسائل التي تقوم على الربا أو الرشوة، أو استغلال النفوذ والسلطان، أو على غش الناس، أو ابتزاز أموالهم، أو التحكم في ضروريات حياتهم، أو انتهاز حالات عوزهم وحاجتهم، وما إلى ذلك من الأساليب غير السليمة في كسب المال، وحرم امتلاك ما ينجم عنها، وأجاز مصادرته وضمه إلى بيت المال، أي إخراجه من حيز الملكية الفردية إلى الملكية الجماعية.
لا شك أن الاقتصاد الذي يعمل في ظل هذه القيم والضوابط الشرعية يتمتع بعدة أهداف سامية، حيث يغلق بذلك أهم الأبواب التي تؤدي عادة إلى تضخم الثروات في يد بعض الأفراد، فالطرق المشروعة في الكسب ينجم عنها الربح المعتدل المعقول المتفق مع سنن الاقتصاد..
أما الأرباح الفاحشة، والثروات الضخمة، فإنما تكون في الغالب نتيجة لكسب غير مشروع، ولذلك فإن تحريم الإسلام لهذه الوسائل تحقيق لتكافؤ الفرص بين الناس، وقضاء على أهم عامل من العوامل التي تؤدي إلى اتساع الفروق الاقتصادية بين الأفراد والطبقات، وفي ذلك تحقيق للمساواة والعدالة التي تتطلع إليها كثير من المجتمعات، وتجد صعوبة كبيرة في تحقيقها.