في اليوم العالمي للمرأة كان هناك سؤال كبير يطاردني بعنف مع كل محاولة للاقتراب من الكتابة في الموضوع خاصة وان شبح ذلك اليوم او طيفه يمر سريعا كومضة عابرة كصرخة في يوم هيجاء.يقلقني دائما السؤال عن حقيقة ما يقدم عن المراة العربية والمسلمة على وجه التحديد وهل نجحنا في رسم صورة لها وتقديم النماذج الحقيقة لها المعبرة عنها وعن طموحها وامالها والامها وقضاياها الصغرى والكبرى وتفاعلاتها في الحياة المعاصرة وكيف تواجهها.لااخفيكم كم الوجع والالم مما يحث مع المراة والنماذج التى نقدمها عنها في الدراما عموما! في حالات الحيرة والقلق مثل هذه اهرب دائما الى الشعر وعالم الشعراء اجد معهم سلواي. هذه المرة كسرت القاعدة وقررت الهرب الى الرواية..وكانت المفاجأة المدوية “تلك العينان” ما ان بدأت حتى جحظت عيناي بالفعل واستنفرت كل الحواس وقوى الادراك وعلى الفور تم استدعاء كوامن الذاكرة وتوالت اسئلة عديدة وملحة يفرضها الواقع الثقافي والاجتماعي فالعينان لم تكن حالة رومانسية شاعرية مماقد يتوهمه البعض من العيون المبتذلة او الفاجرة اياها ولكنهما عينان من عمق بئر الوطنية الصافي في بئر العبد في سيناء عينان نضاختان بالحب والامل والوطنية والقدرة على التحدي عينان كان يحرسهما ويرعاهما ويرسمهما ضابط شرطة محترف في كل شيء قادر ومتمكن من كل ادواته يجيد ادارة المعركة ويتحكم في خطوط الصراع ببراعة شديدة ورقي شديد دون سقوط في هاوية اي ضرورات فنية او ادبية او جريا وراء اوهام ترويجية عبثية وما يضحكون بها على كل الذقون الاصلية والتايوانية على السواء. ضابط الشرطة الذي يقف وراء ” تلك العينان ” فرض السؤال الكبير حول ما يمكن ان نسميه “الامن الثقافي” وأظنه سؤال الساعة الان فلا يخفى على احد حالة الضجر من كل ما يصدر الينا عبر الشاشات الصغرى والكبرى ووسائل التواصل الاجتماعي من افلام وقصص وروايات واشياء تشيب لها الولدان حتى تكاد تكون الساحة حكرا على هؤلاء ممن لايجيدون الا الهلس وشئونه وشجونه! الامن الثقافي تعبير او مصطلح صكه الاديب الكبير توفيق الحكيم حين اطلق على يوسف السباعي رائد الامن الثقافي للدور الذي قام به في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية ونادي القصة وجمعية الأدباء. يوسف السباعى قبل ان يكون اديبا كبيرا وروائيا عظيما ووزيرا لثقافة مصر والامين العام لمنظمة التضامن الافرو-أسيوى كان ضابطا وكان له فضل فى تأسيس سلاح المدرعات فى مصر(دخل الكليه الحربيه سنة 1935 وبعد تخرجه التحق بسلاح الصوارى وكان قائدا لفرقه من فرق الفرسان) السباعي نموذج للضابط الاديب المطلوب القادر على توظيف الفن في خدمة قضايا المجتمع بصورة حقيقية وصادقة وقد نجح في المهمة حتى ان اديب نوبل الكبير نجيب محفوظ وصفه بانه جبرتي العصر لانه سجل بكتاباته الادبية احداث الثورة (1952) منذ قيامها وحتى بشائر النصر في اكتوبر وعكس كل ذلك في روايات تم تحويل معظمها الى افلام لاتزال من العلامات الكبيرة على الطريق مثل رد قلبي وليل له اخر واقوى من الزمن وجفت الدموع والعمر لحظة وغيرها. وكان السباعى أديبا وكاتبا رومانسيا من طراز خاص له رؤية سياسية واجتماعية فى رصد الأحداث وكان سياسيا على درجة كبيرة من الحنكة والذكاء.. في الحقيقة كم نحن في حاجة الى السباعيين من الادباء.!! لابد من الاشارة الى ان مصر تمتلك عددا كبيرا من المبدعين الكبار كانوا ضباطا في الاساس سواء من الجيش والشرطة وهناك اسماء لامعة يمكن ان نشير الى الاساتذة الكبار ثروت عكاشة احمد حمروش سعد الدين وهبة اللواء عبد الحليم موسى وزير الداخلية الاسبق والذي كان يكتب اغاني الكحلاوي ومدائحه النبوية وفقا لرواية الناقد الفنى طارق الشناوي واللواء حسن فتح الباب والعميد مجدي النجار واسامة المندوة وممدوح الليثي واحمد ناجي وعلاء مصطفى وغيرهم الكثير.. لا اعرف على وجه اليقين ان كان لدى الداخلية ارشيف كامل عن ضباطها المبدعين فلديها جيش قوي من المبدعين..انهم الان ادباء الضرورة لابد من استنفارهم لمواجهة حالات التردي في الوسط الفنى بابداعاتهم في القصة والرواية والاغنية الوطنية الساحة بحاجة الى انتفاضة فنية تعيد شحن بطاريات الوجدان وتزيل ماتراكم على النفوس والقلوب من ران على مدى عقود. تلك العينان الصادرة عن هيئة الكتاب هي الرواية الثامنة للسيد اللواء مصطفي المليجي يقدم لنا نموذجا رائعا للمراة خاصة والاسرة المصرية عامة وكفاحها ضد العدو الاسرائيلي في سيناء وضد اعداء المجتمع من الانتهازيين والمجرمين على الاصعدة المختلفة من خلال القصة التى دارت وقائعا في مدينة بئر العبد. ابدع المليجي في تصوير شخصياته بقدرته على الحكي والسرد القصصي جعلته يملك ناصية شخوصه جيدا ويقدمها بتفاصيلاتها الدقيقة ويمسك بتلابيب الشخصية لا تكاد تفلت منه حتى في انفعالاتها وتحركاتها البعيدة والقريبة. يمتلك لغة سهلة بسيطة ليست متقعرة تصيب الهدف تماما باقرب طريقة ومن اضيق زاية فهو يجيد التنشين على ما يبدو لم يلجأ الى كلمات سوقية اومبتذلة حتى حينما كان الموقف يسمح حافظ على عفة وحياء القارئ والبطل ايضا. اظنها المرة الاولى او من المرات النادرة التى ينجح فيها الروائي بتقديم صورة طبيعية حية لتدين الاسرة المصرية والتزامها وكذلك تدين والتزام البطلة رائعة الحب فائقة الجمال الحبيبة المخلصة لحبها وحبيبها وكرامتها فقد رفعت شعار أصون حبي وكرامتي معا..وبكليهما نستطيع .. وعبر عن ذلك بلا مبالغة او تشنج او افتعال او لجوء الى حبكة فنية.كان الالتزام الديني طبيعيا لدى شخوص الرواية في التعامل مع بعضهم البعض في أداء العبادات والحرص عليها. وهو الشيء الذي نفتقده كثيرا في الأعمال الفنية والادبية على السواء .. الحوار عكس ارتباطا بالقرآن الكريم ولغته وهو ما ظهر جليا في العديد من التراكيب والأساليب اللغوية حتى عند التعبير عن الخطيئة كان الإيحاء كافيا للدلالة عليها. على ما يبدو فإن اللواء المليجي قد استفاد كثيرا من خبرته ككاتب سيناريو في رسم شخصياته وتفاعلاته وخطوط التماس وحركة الأحداث كذلك لغة وطريقة حديث الابطال في الرواية كانت مناسبة تماما فلم تكن الشخصية منفصلة عن لسانها وطريقة كلامها واسلوبها لم يزعجك الحوار ولا تشعر بتكلف وتصنع الحديث كانت الشخوص حية من لحم ودم.ونجح في عرض العديد من القضايا الحقيقية والمشكلات للمجتمع السيناوي بسهولة وبساطة دون ضجيج او افتعال لوطنية او بطولة زائفة. احكام السيطرة على الابطال وخاصة “حنين” وضعت القارئ تحت نوع اخر من السيطرة تجعله يلهث خلف البطلة ولا يتوقف عن المتابعة للاحداث وتطوراتها وهو ينتقل بك من مأساة الى مأساة مآسي بعضها فوق بعض تدفع الى الالتصاق بالبطلة ليس فقط للتعاطف معها بل للتعلق بها واحترام عقلانياتها حتى يصل الى النهاية. نجح صاحبنا في ان يقدم لنا نموذجا رائعا وفريدا في الحب وشخصية الحبيبة وأحبابها في كل أحوالها في حالة الوجد والهيام والعشق وفي حالة الضعف والقوة ايضا ولم ينزلق الى ما يسقط فيه الساقطون من دعاة الضرورة الدرامية والفنية واخواتها غير الشرعيات. اتمنى على جماعات المرأة والمهتمين بشؤونها ان تكون لرواية” تلك العينان” مكانا عندهن. والله المستعان.
Megahedkh@hotmail.com