يحبس العالم أنفاسه خوفا من التأثيرات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، وخوفا من اتساع نطاق الحرب ودخول أطراف جديدة فيها لتصبح حربا عالمية ثالثة قولا وفعلا، بينما تبحث إسرائيل علنا عن الوسائل التى تحقق بها أكبر استفادة من هذه الحرب، وتفعل مثلما يفعل أثرياء الحروب ونباشو القبور، الذين يحسبون مكاسبهم من وراء كل مصيبة تحل بغيرهم.
وقبل أشهر من اندلاع الحرب أعدت الوكالة اليهودية بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية خطة لاستقبال 5 آلاف يهودى أوكرانى أسبوعيا، ومنحهم الجنسية وتوطينهم طبقا لقانون العودة الذى يمنح الجنسية الإسرائيلية تلقائيا لذوى الأصول اليهودية وأزواجهم بمجرد وصولهم إلى إسرائيل.
وقالت وزيرة الهجرة الإسرائيلية فانينا شيتا : ” نعمل على جلب هجرات جديدة من يهود أوكرانيا خشية تأثرهم سلبا بالحرب، بدأنا منذ شهور الإعداد لاستقبال موجة كبيرة من هؤلاء اليهود الذين تتجاوز أعدادهم 48 ألف نسمة “، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلى بينى غانتس: ” سنصل إلى كل يهودى فى أوكرانيا وننقذه، ونضمن هجرته واستيعابه فى إسرائيل، سنقوم بمثل ماقمنا به فى تسعينيات القرن الماضى عندما استوعبنا مليون يهودى من الاتحاد السوفيتى خلال مرحلة تفككه “.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت : ” نحن ملزمون باستقبال اليهود الفارين من أماكن خطيرة، وأن يشعروا بأن الباب مفتوح والبيت دافىء “، وتعهد يوسى دغان رئيس مجلس المستوطنات فى شمال الضفة الغربية بتوفير مساكن لكل العائلات الأوكرانية المهاجرة فى مستوطنات جنوب نابلس، وبدء حملة كبيرة لبناء بيوت جاهزة لاستيعابهم، وتشكيل فرق لمساعدتهم على الاندماج فى المستوطنات.
وتعد أوكرانيا من أهم الدول التى هاجر منها اليهود إلى إسرائيل منذ بداية القرن الماضى، ويتمتع اليهود الأوكرانيون بمكانة مميزة فى الدولة العبرية منذ شأتها عام 1948، وتبوأوا أهم المناصب، فكان منهم الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء، ولعل أشهرهم جولدا مائير واسحاق رابين وموشى دايان وموشى شاريت.
والرئيس الأوكرانى الحالى فولوديمير زيلينسكى يهودى الديانة، بينما تنتمى أغلبية الشعب الأوكرانى إلى المسيحية الأرثوذكسية، ويقال إن جد الرئيس وثلاثة من إخوة جده قتلوا فى المحرقة الجماعية “الهولوكوست” التى نفذها هتلر فى اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد خاطب زيلينسكى جميع يهود العالم طالبا منهم الوقوف مع بلاده .
وتنظر إسرائيل إلى روسيا وأوكرانيا باعتبارهما خزانا بشريا استراتيجيا يمدها بالمهاجرين ذوى الإمكانات العلمية المرتفعة، وهو ما ساعدها على النمو الاقتصادى والعلمى والتقنى، وخلال الشهور الأولى لتفشى جائحة كورونا العام الماضى استطاعت إسرائيل جلب أكثر من ستة آلاف مهاجر يهودى من أوكرانيا، وفى الأسبوع الأول من مارس الماضى وصلت إلى مطار بن جوريون أول دفعة من يهود أوكرانيا الفارين من الحرب، حيث حصلوا على الجنسية ووزعوا على أماكن إقامة مؤقتة لحين منحهم مساكن دائمة.
لم يحدث ذلك خوفا على يهود أوكرانيا من الوباء أو من الحرب، وإنما يتعلق الأمر بالسعى الإسرائيلى الدائم لتعديل ” الميزان الديموجرافى ” الذى يميل لصالح الفلسطينيين، ويجعل إسرائيل فى قلق متزايد مما يسمى بـ ” خطر القنبلة الديموجرافية الفلسطينية “، ويدفع الأوساط السياسية والاجتماعية والأمنية إلى إجراء دراسات متواصلة حول خطط مواجهته.
ورغم الهجرات اليهودية المتكررة من جميع أنحاء العالم برعاية الحركة الصهيونية العالمية منذ الانتداب البريطانى على فلسطين، ورغم عمليات التهجير الإجبارى للفلسطينيين أصحاب الأرض، ورغم المذابح الجماعية وحروب الإبادة، مازال الميزان السكانى “الديموجرافى” يميل لصالح الشعب الفلسطينى، ومازالت الزيادة الطبيعية لدى الفلسطينيين هى الأعلى فى العالم، خصوصا فى قطاع غزة ولدى بدو النقب، حيث يصل معدل الزيادة إلى 4,5 % ، وفى الضفة الغربية وباقى أراضى 1948 يصل المعدل إلى 3,5 % ، بينما يبلغ معدل الزيادة عند اليهود %1سنويا، وهذا بفضل اليهود المتدينين ” الحريديم ” الذين يكثرون من الإنجاب لأسباب دينية تتعلق برفضهم تحديد النسل، ولإيمانهم بأن الذرية اليهودية مباركة، ولزيادة عدد الذين سيستقبلون المسيح اليهودى المخلص، علما بأن هؤلاء ” الحريديم ” لايتجندون فى الجيش، ولا يلتزمون بكثير من قوانين الدولة بحجة معارضتها لتعاليم التوراة.
وتقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بحملات واسعة لتشجيع يهود أوكرانيا على الهجرة، ونشرت صحيفة ” معاريف ” مقالا لرئيس الاتحاد العالمي ليهود المغرب سام بن شطريت بعنوان:” فتاوى لجلب ملايين اليهود إلى إسرائيل”، دعا فيه إلى جلب مليوني يهودي في السنوات الخمس المقبلة، مؤكدا أن اهتمام إسرائيل بالصراع مع إيران وقضاياها الداخلية يجب ألا يشغلها عن المشكلة الملحة والأساسية، وهي “القنبلة الديموجرافية” الفلسطينية.
وحشد بن شطريت فى مقاله عدة فتاوى دينية يدعم بها دعواه، منها فتوى حاخامات شمال أفريقيا التى تؤكد أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين أهم من كل الفرائض الدينية بما فيها تدنيس السبت، وأن الزوج الذي يريد أن يهاجر وتمتنع زوجته فليدفع لها المؤخر ويطلقها، والمرأة التي تريد أن تهاجر ويرفض زوجها تخلعه وتأخذ أبناءها وتهاجر، ويجوز للرجل الذي ليس لديه القدرة على تمويل الهجرة أن يبيع كتب التوراة التي يملكها من أجل ذلك.