نصت المادة الثانية من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 ( ) على أن ( تُعدّ الافعال الاتية من الافعال الارهابية : 4 ـ العمل بالعنف والتهديد على اثارة فتنة طائفية أو حرب اهلية أو اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على تسليح بعضهم بعضاً وبالتحريض أو التمويل
لقد جاء في قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 النافذ ما يدل على أنه من القوانين التي سعت الى مكافحة الارهاب الفكري على اختلاف أنماطه و صوره ، حيث جاء في نص المادة الثانية منه على انه تعد الافعال الآتية من الافعال الارهابية وذكرت الفقرة الرابعة من المادة المذكورة أن العمل بالعنف والتهديد على اثارة الفتن الطائفية أو ما يثير حروب اهلية او اقتتال طائفي وهي من صور الارهاب الفكري ،
من هذا نجد ان قانون مكافحة الارهاب قد عالج ظاهرة الارهاب الفكري بالنص على صور الافعال الارهابية ووضع عقوبات على من يقوم بأحد تلك الافعال ، وبهذا فأن قانون مكافحة الارهاب النافذ واحد من القوانين التي كافحت الارهاب الفكري ، على الرغم من انه لم ينص على مكافحة هذه الظاهرة إلا بفقرة واحدة فقط من المادة الثانية ، وهذا ما يدفعنا الى دعوة المشرع بتشريع اكثر من مادة لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة والحدَ منها ، أو تشريع قانون خاص بمكافحة الارهاب الفكري للخصوصية التي تتطلبها مكافحة هذه الظاهرة والتي تُعدّ الاساس لظهور الارهاب المادي .
مكافحة الارهاب الفكري في قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 المعدل
نصت المادة ( 16) من قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 المعدل ( ) على أنه ( لا يجوز أن ينشر في المطبوع الدوري 3 ـ ما يروج لأفكار استعمارية والانفصالية والإقليمية …… 6 ـ ما يشكل طعناً بالأديان المعترف فيها في الجمهورية العراقية ) .
نصت هذه المادة على أنه كل ما يعد مطبوع دوري أي انه يصدر باستمرار في اعداد متسلسلة وفي اوقات معينة ، لا يجوز أن ينشر فيه كل ما يروج لأفكار استعمارية أو انفصالية أو اقليمية أو غيرها وكل ما يشكل مساساً بالأديان المعترف بها في العراق ، ومن هذا نلاحظ أن المطبوعات وما لها من دور كبير في نشر الارهاب الفكري والتحريض على العنف والإساءة الى الاديان وغيرها من صور الارهاب الفكري ، قد نص قانون المطبوعات وبشكل صريح وواضح بأنه لا يسمح بكل ما من شأنه أن يكون وسيلة لتفشي الارهاب الفكري في الدولة ، وذلك من خلال نص هذه المادة وبذلك يكون هذا القانون قد كافح الارهاب الفكري بصوره المختلفة ، وبالنص عليها بشكل واضح وصريح ، وهذا من المواقف الموفقة للمشرع العراقي .
من هذا نلاحظ أن لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون ما اعتبار للحدود سواء شفهية أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني و بأي وسيلة يختارها …
أما بالنسبة الى الميثاق العربي لحقوق الانسان والذي اقرته جامعة الدول العربية في 2004 نص ايضاً على حرية الرأي والتعبير وذلك في نص المادة (24 منه ( حق كل مواطن عربي في الرأي والتعبير وتضمنت بعض الحقوق النابعة من ذلك الحق ….).
كما نص على حرية التفكير والعقيدة في المادة (30) ( ) ( لكل شخص الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين ولا يجوز فرض أي قيود عليها الا بما ينص عليه التشريع النافذ ، لا يجوز اخضاع حرية الانسان في اظهار دينه او معتقده او ممارسة شعائره الدينية بمفرده او مع غيره الا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع متسامح يحترم الحريات وحقوق الانسان لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الاداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم الاساسية للآباء أو الاوصياء حرية تأمين تربية اولادهم دينياً وخلقياً .
ومن خلال استعراضنا لنصوص المواثيق والعهود الدولية سواء كانت عالمية أو اقليمية وملاحظة مدى اهتمامهم بالنص على حرية الرأي والتعبير و حرية التفكير ، وهذا يعني حرص كل من هذه المواثيق والعهود على تمتع كل انسان بممارسة كافة الحقوق الممنوحة له ، وعدم التخلي عنها تحت أي ضغوط ، وبالتالي يتم القضاء على الارهاب الفكري على اختلاف انماطه وأساليبه .
ولاً-إصدار القانون:
شرعّت الجمعية الوطنية العراقية قانون مكافحة الإرهاب في العراق رقم 13 لسنة 2005 المكون من ست مواد، في ظل ظروف معقده وبضغوط أمريكية على مجلس الرئاسة آنذاك، واعدت مسودة القانون بعجالة طبقاً للمادة الثالثة والثلاثين الفقرتين (أ – ب) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، واستناداً إلى أحكام المادة السابعة والثلاثين من القانون المذكور أصدره مجلس الرئاسة بجلسته المنعقدة بتاريخ 7/ 11/ 2005. وكانت النتيجة الواضحة هي تشريع قانون فيه كثير من الثغرات.[1]
ثانياً- نشره ونفاذة:
تم نشر هذا القانون في الوقائع الرسمية بعددها المرقم (4009)، بتاريخ: 9/11/2005. وينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية حسب الفقرة (4) من المادة الخامسة التي تضمنت الأحكام الختامية.
ثالثاً- أهميته:
جاء في الأسباب الموجبة (إن حكم وجسامة الأضرار الناتجة عن العمليات الإرهابية وصلت إلى حد أصبحت تهدد الوحدة الوطنية واستقرار الأمن والنظام،… لذا بات من الضروري إصدار تشريع من شأنه القضاء على العمليات الإرهابية وتحجيمها والحد من التفاعل مع القائمين بها بأي شكل من أشكال الدعم والمساندة). وعلى الرغم من أهمية هذا القانون وضرورته في مكافحة الإرهاب وتجريمه ومعاقبة الإرهابيين، لكنه أصبح موضع احتجاج مئات الألوف من المتظاهرين المحتجين في الأنبار ونينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى على سوء الإجراءات في تطبيق هذا القانون وبخاصة التوسع في استخدام المادة الرابعة منه، والتوسع في تفسير الأفعال الإرهابية دون تحديد موضوعي قانوني صحيح، وهو ما يتنافى مع ثوابت القاعدة القانونية
رابعاً- الجوانب الإيجابية في نصوص القانون:
يأتي هذا القانون تلبيةً لحاجة تتمثل في مكافحة الجريمة الإرهابية والتي تتطلب مواجهة تشريعية للقضاء عليها أو الحد من تأثيرها بأساليب قانونية قد لا تقوى التشريعات القائمة على معالجتها بنفس الطريقة التي يتم فيها معالجة الجرائم العادية
خامساً- الجوانب السلبية في نصوص القانون:
1- احتجت منظمة العفو الدولية ضد الاستخدام المفرط لهذا القانون من أجل الانتقام الشخصي.
2- رئيس لجنة مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب المعنية بمتابعة إجراءات مكافحة الإرهاب في جميع دول العالم، أشار الى الشكوك حول جدية تطبيق العراق للقرار رقم 1373/2001 الخاص بملاحقة مرتكبي الجرائم الإرهابية وتجميد أصولهم المالية ومنع تمويل الإرهاب، وأكد في توصيته للمجلس: (إن على العراق مراجعة قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2005 وإنشاء آلية لمكافحة الإرهاب بصورة جدية في القانون المحلي بإعادة النظر في القانون لتخليصه من الضبابية، واقتراح أحكام مضبوطة وتعريفات دقيقة للأفعال الإرهابية كي لا تنزلق مستقبلاً في محاكمات سياسية وحسب تقييم أولي لهذا القانون هناك أحكام فضفاضة لاسيما في المادة الرابعة تتيح تأويلات واسعة، ومن شأنها أن تُهدّد الحريات العامة إلى أنّ القانون وقعت صياغته بطريقة تسمح بمحاكمة كل شخص يخالف النظام).
3- انه قانون مختصر ولا يتضمن القواعد التشريعية المتعارف عليها في تشريعات مكافحة الإرهاب العربية والعالمية[4].
4- لم يتقيّد هذا القانون بأحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وكذلك لم يتقيّد بالقانون العربي الاسترشادي لمكافحة الإرهاب ومنع تمويل الإرهاب. فعلى سبيل المثال أن التعريف الذي أورده القانون 13/2005 للإرهاب لا يتفق ولا يتطابق مع تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 [5].
فقد عرّف هذا القانون (الإرهاب) على انه: (كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار والوحدة الوطنية أو إدخال الرعب أو الخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية) [6].
في حين أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي انضم إليها وصادق عليها العراق عرفت الجريمة الإرهابية في مادتها الأولى بأنها: (أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي دولة متعاقدة أو على ممتلكاتها أو مصالحها أو على رعاياها أو ممتلكاتهم يعاقب عليها قانونها الداخلي، وكذلك التحريض على الجرائم الإرهابية، وطبع أو نشر محررات أو مطبوعات أو تسجيلات أيا كان نوعها إذا كانت مُعدّة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، وكانت تتضمن تحريضاً على تلك الجرائم. ويعد جريمة إرهابية تقديم أو جمع الأموال أيا كان نوعها لتمويل الجرائم الإرهابية مع العلم بذلك).
5- وصف هذا القانون الأفعال الإرهابية[7]، دون أن يحدد ماهية الغايات الإرهابية لتفريقها عن الغايات الجنائية العادية. وان تحليل نص المادة الثانية سيقودنا الى اتجاهات ثلاث [8]:
أ- الاتجاه الأول: أن يكون هناك فعل إجرامي بمعنى أن يرتكب الفرد أو المجموعة أو المنظمة أي نشاط إنساني جرمه القانون النافذ ووضع له العقاب، مثل جرائم القتل والتسليب والتهديد وغيرها مما نصت على تجريمها القوانين العراقية النافذة، فإذا لم يكن هناك ما يشكل خرقاً للقانون العقابي فانه لا يدخل ضمن منظومة الأفعال الإرهابية.
ب- الاتجاه الثاني: أن يكون قد أحدث نتيجة جرمية للفعل، أي أن يترتب على هذا الفعل أما ضرر مادي أو بشري، ويقع على الأفراد أو المؤسسات الرسمية وغير الرسمية أو يرتب الفوضى وعدم الاستقرار، وان العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة متصلة غير منقطعة أي إن الأثر المتحقق هو نتيجة مباشرة للفعل الذي حصل.
ج- الاتجاه الثالث: أن يكون هذا الفعل الذي رتب الأثار الجرمية يجب أن يسعى لتحقيق غايات إرهابية، أي إن الفعل حينما يقع بنشاط فردي أو جماعي ولم يكن الهدف منه تحقيق غايات إرهابية فانه يقع خارج نطاق نص القانون رقم 13 لسنة 2005 ويندرج ضمن منطوق أحكام القوانين العقابية النافذة.
6- تعتبر المادة الرابعة من القانون هي الأكثر استخداماً في القضاء العراقي، وتحتوي على بندين نظمّا العقوبات:
-البند الأول: (يعاقب بالإعدام كل من ارتكب -بصفته فاعلاً أصلياً أو شريك عمل أياً من الأعمال الإرهابية الواردة بالمادة الثانية والثالثة من هذا القانون- يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكن الإرهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي).
-أما البند الثاني: (يعاقب بالسجن المؤبّد من أخفى عن عمد أي عمل إرهابي أو آوى شخص إرهابي بهدف التستر).
الخاتمة
أهم الاستنتاجات:
وجود ثغرات كثيرة في نصوص قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، تم تأشيرها من الباحثين العراقيين والمنظمات الدولية.
-أهم التوصيات:
إجراء تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، بما يحقق اعتماد التفسير الضيّق للأفعال الإرهابية على أساس تحديدها بصورة موضوعية وقانونية سليمة، وبما ينسجم مع ثوابت القواعد القانونية الدولية.