لقد حرصت المواثيق و العهود الدولية على مكافحة الإرهاب الفكري من خلال تنظيمها لحرية التفكير والرأي والتعبير عنه والنص عليها ، وهذا هو نتيجة للدور الفعال الذي تقوم به تلك المواثيق الدولية من خلال نصوص موادها ، ولما كانت المواثيق الدولية تقسم الى مواثيق عالمية ومواثيق اقليمية ، على هذا سوف نتطرق الى دراسة مكافحة الارهاب الفكري في المواثيق الدولية العالمية في الفرع الأول من هذا المطلب ، وفي الفرع الثاني سوف نتطرق الى مكافحة الارهاب الفكري في المواثيق الدولية والاقليمية .
الفرع الاول
مكافحة الارهاب الفكري في المواثيق و العهود الدولية العالمية
من المواثيق و العهود الدولية العالمية هي ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي للحقوق الانسان وإعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وسوف نوضح كيفية مكافحة هذه المواثيق للإرهاب الفكري ، حيث جاء في ميثاق الامم المتحدة لسنة 1945 والذي يعد بمثابة الوثيقة الاولى في مجال القانون الدولي ، فقد جاء في ديباجته مؤكداً على الايمان بحقوق الانسان الاساسية وبكرامة الفرد وقدره ، وما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ، ومن هذا نجد أن اهتمام الميثاق بالنص على حقوق الانسان وأحترمها فلم يذكر احد من هذه الحقوق دون غيرها ، وبذلك فيكون من البديهي أن من بين هذه الحقوق حق الانسان في التفكير وفي التعبير عن ارائه ، لأنه من الحقوق اللصيقة بفكر الإنسان وبالتالي في ملازمة له دون الحاجة لذكرها بشكل مفصل .
أما بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 فقد نص في المادة ( 18) ( ) منه ( لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين …..).
أما في المادة (19 ) منه بأن ( لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الاراء دون تدخل ، وفي التماس الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الآخرين ، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية ) ( ) ، وفي كل من المادتين السابقتين أشارة واضحة لما لحرية التفكير والرأي من أهمية بالغة ، ولهذا فقد نص عليهما الاعلان العالمي لحقوق الانسان مؤكداً على أهميتهما وحرصاً على ان لا يحرم أي شخص من التمتع بهما .
أما في اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789 والذي يعد من المواثيق التي استند عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، والذي نص في المادة (11) منه ( ) على ( التداول الحر لأفكار والآراء هو احد حقوق الانسان الهامة فيجوز لكل مواطن ان يتكلم ويطبع بصورة حرة مع مسؤوليته عن سوء استعمال هذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون )
أما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد نص في المادة (19) ( ) منه :
( 1 ـ لكل انسان الحق في اعتناق الاراء دون مضايقة .
2 ـ لكل انسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين دون اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة آخرى يختارها .
3 ـ تتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (ب) من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدودة بنص القانون أو تكون ضرورية :
أ. من اجل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم
ب. من اجل حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق ).
وعلى الرغم من نص العهد الدولي على حرية الرأي والتعبير وبشكل واضح آلا انه قيدها بقيود كبقية الحقوق والحريات ، وهي في مجموعها تحمي حقوق وسمعة الآخرين ، والأمن القومي أو النظام العام أو الصحة والأخلاق العامة ، وتعتبر حماية هذه الأغراض قيودا مشروعة على حق التعبير ، وبالتالي فأننا نلاحظ من خلال الفقرتين (1 و 2 من المادة 19) من العهد الدولي بأنها اعطت الحق لكل انسان في اعتناق الاراء وله الحق في حرية التعبير عن ارائه ، وهذا يدل على مكافحة كل ما من شأنه اثارة ارهاب فكري بفرض اراء أو اساءة الى حرية التعبير عن تلك الآراء ، كما حظرت المادة (20 ) من كل دعاية من اجل الحرب أو الدعوة للكراهية والعنصرية أو التحريض على التمييز .
نلاحظ إن الأمم المتحدة وكافة الدول الديمقراطية في العالم ، تكاد تجمع على أن حق الرأي والتعبير هو الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية ، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حرية التعبير هي حق إنساني أساسي… وهي محك الاختبار لكل الحريات التي كرستها الأمم المتحدة .
الفرع الثاني
مكافحة الارهاب الفكري في المواثيق والعهود الدولية الاقليمية
ومن هذه المواثيق والعهود الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والاتفاقية الامريكية لحماية حقوق الانسان .
لقد كررت المواثيق الإقليمية أو توسعت في ضمان وحماية حرية التعبير ، فالمادة ( 9 ) ( ) نصت ان لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حرية التغيير دينه أو معتقده ، وكذلك حرية التعبير عنهما أو تعليمهما ، بإقامة الشعائر أو ممارستها أو رعايتها بطريقة فردية أو جماعية وفي نطاق علني أو خاص .
أما المادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 تحمي حرية التعبير على مستوى الدول الأعضاء حيث نصت على انه (1ـ لكل إنسان الحق في حرية التعبير ، هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة ، وبصرف النظر عن الحدود الدولية ) نجد من خلال عرض نص المادة (10) بأن هذه الاتفاقية قد حرصت على حماية حق كل انسان في التفكير والتعبير عن رأيه و معتقداته وإقامة الشعائر وممارستها ورعايتها بطريقة فردية وجماعية علنية أو خاصة ، وحقه في التعبير عن رأيه بالنشر وتلقي المعلومات والأفكار وإذاعتها وفقآ لقيود معينة يحددها قانون كل دولة لتدابير قانونية لحفظ وسلامة المواطنين والنظام العام داخل المجتمع وبما يتفق مع حماية الاداب العامة والصحة العامة وحماية حقوق المواطنين وسمعتهم وعدم افشاء المعلومات السرية .
أما الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981 أذ نص في المادة ( 9 ) ( ) منه على أنه : (1 ـ من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات.
2 ـ يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها فى إطار القوانين واللوائح )
لقد نص الميثاق على حق كل فرد في الحصول على المعلومات والتعبير عن افكاره ونشرها على ان يكون ذلك في اطار احترام القوانين واللوائح .
وكذلك المادة (13) من الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان لسنة 1969 ( ) تنص على : ( 1 ـ لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتقفيها ونقلها إلى الآخرين ، دونما اعتبار للحدود ، سواء شفاها أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة يختارها.
2 ـ لا يجوز أن تخضع ممارسة الحق المنصوص عليه في الفقرة السابقة لرقابة مسبقة ، بل يمكن أن تكون موضوعا لفرض مسؤولية لاحقة يحددها القانون صراحة وتكون ضرورية من
أجل ضمان :
أ- احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم .
ب – حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة.
3 ـ لا يجوز تقييد حق التعبير بأساليب أو وسائل غير مباشرة ، كالتعسف في استعمال الإشراف الحكومي أو غير الرسمي على ورق الصحف ، أو تردد موجات الإرسال الإذاعية أو التلفزيونية ، أو الآلات أو الأجهزة المستعملة في نشر المعلومات ، أو بأية وسيلة أخرى من شأنها أن تعرقل نقل الأفكار والآراء وتداولها وانتشارها.
4 ـ على الرغم من أحكام الفقرة ( 2) السابقة ، يمكن إخضاع وسائل التسلية العامة لرقابة مسبقة ينص عليها القانون ، ولكن لغاية وحيدة هي تنظيم الحصول عليها من أجل الحماية الأخلاقية للأطفال والمراهقين.
5 ـ إن أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية ، واللذين يشكلان تحريضا على العنف المخالف للقانون ، أو أي عمل غير قانوني آخر ومشابه ضد أي شخص أو مجموعة أشخاص ، مهما كان سببه ، بما في ذلك سبب العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الأصل القومي ، تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون ) .