تتمتع البيئة بقدرة طبيعية هائلة على التجدد، كما يمكنها حماية نفسها والمحافظة على مواردها؛ فعلى سبيل المثال عندما تتساقط أوراق الشجر في الخريف فإنّها تتحلل، وتُضيف عناصر غذائية إلى التربة، تساعد بدورها على تهيئة الظروف المناسبة للشتلات الجديدة لتنمو، إلّا أنّ تدخل الإنسان في البيئة واستخدامه لمواردها الطبيعية أدى إلى إلحاق الضرر بها، وظهور العديد من المشاكل البيئية الخطيرة،
وقد أدرك علماء البيئة حجم وأهمية هذه المشاكل منذ عقود، لتصبح مسألة حماية البيئة في السنوات الأخيرة من القضايا الوطنية والعالمية المهمة، والتي شغلت وما زالت تشغل وسائل الإعلام المختلفة، من خلال تسليط الضوء على بعض القضايا البيئية المهمة، مثل: تأثير غازات الدفيئة، وإزالة الغابات، والاحترار العالمي، وانتاج النفايات، وغير ذلك. وقد أصبحت الأنشطة البشرية مؤخراً تستنفذ موارد البيئة الطبيعية، وهو الأمر الذي يهدد بقاء الإنسان واستمراريته على المدى الطويل في حال عدم تطبيق طرق الاستدامة البيئية؛ فالاستدامة البيئية تساعد على ضمان تلبية احتياجات السكان الحاليين مع الحفاظ على احتياجات الأجيال القادمة دون التأثير عليها.
تعريف الاستدامة البيئية
تُعرَّف الاستدامة البيئية بأنها الحفاظ على التوازن في علاقة الإنسان بعالم الكائنات الحية على الأرض والتفاعل المسؤول مع البيئة لتجنب استنزاف الموارد الطبيعية أو تدهورها والسماح بجودة بيئية طويلة المدى ، وتساعد ممارسة الاستدامة البيئية على ضمان تلبية احتياجات سكان اليوم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم و القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، وهذا التعريف وضعته لجنة الأمم المتحدة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية، وقد تم توسيعه على مر السنين ليشمل احتياجات الانسان ورفاهيته، فإمكانية بقاء الإنسان لعدة أجيال قادمة على هذا الكوكب مرتبطة بمدى حفاظه على الطبيعة ومواردها. وتعرف أيضا الاستدامة البيئية بالقدرة على تحسين نوعية حياة الإنسان أثناء عيشه ضمن القدرة الاستيعابية للأنظمة البيئية الداعمة للأرض
، وهذا التعريف تم وضعه من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، وقد جاء بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك العالمية التي تدمّر الطبيعة بمعدلات مستمرة ومرتفعة بشكل خطير؛ فزيادة اعتماد الإنسان على الموارد الطبيعية مع زيادة عدد السكان غيّر التوازن الطبيعي للطبيعة، وأثّر سلباً على كل من البشر والأنظمة الحية الأخرى، وسبّب انخفاض الموارد الطبيعية الموجودة فيها.
أهم أهداف ومبادئ الاستدامة البيئية موزّعة على خمس فئات:
1.الاحتياجات المجتمعية: عدم إنتاج مواد تضر بالأجيال القادمة. تصميم وتقديم منتجات وخدمات تساعد على جعل الاقتصاد أكثر استدامة. توفير فرص عمل ودعم العمالة المحلية. دعم التجارة المعتدلة. جعل الاستدامة البيئية مطلباً رئيسياً عند اختيار المواد الخام أو المكونات للمنتجات والخدمات الجديدة.
2.الحفاظ على التنوع البيولوجي: اختيار المواد الخام التي تحافظ على التنوّع البيولوجي للموارد الطبيعية. استخدام مصادر طاقة مستدامة وصديقة للبيئة والاستثمار في تحسين كفاءة الطاقة. مراعاة القدرة التجديدية: استخدام المصادر المتجددة بمعدلات تتناسب مع قدرة الأنظمة الطبيعية المُنتِجة لها. استنزاف المصادر غير المتجددة بمعدل أقل من معدّل تجدد المصادر البديلة المتجددة.
3.إعادة الاستخدام واعادة التدوير: إجراء تصميمات لإعادة استخدام المنتجات واعادة تدويرها. تصميم العمليات الصناعية أو التجارية كأنظمة ذات حلقات مغلقة؛ للحد من المخلفات والانبعاثات الضارة منها.
4.تقييد استخدام الموارد غير المتجددة وتقليل إنتاج النفايات: الحفاظ على معدلات الزيادة السكانية، ومعدل الاستهلاك للفرد، ومعدل التقدم التكنولوجي، ضمن القدرات الاستيعابية للبيئة؛ أي مع مراعاة الاستدامة البيئية. إبقاء كمية الانبعاثات والنفايات الناتجة ضمن القدرة الاستيعابية للنظم البيئية، مع عدم تقليل قدرتها على احتواء النفايات في المستقبل أو التأثير على غيرها من الخدمات البيئية المهمة. وضع معايير لوسائل النقل بحيث تُعطى الأولوية للوسائل ذات التأثير البيئي الضار المنخفض. وضع جميع القرارات المتعلقة بتطوير وإدارة المنتجات مع مراعاة الآثار البيئية لهذه المنتجات طوال دورة حياتها. أهمية تطبيق البيئة المستدامة يعتبر التغيير من السمات الثابتة للحياة على وجه الأرض، لكن سرعة وحجم التغييرات الحالية هو ما يهدد البيئة. وتتمثل المكونات الخمسة الرئيسية للاستدامة البيئية فيما يلى:
1- الأنظمة البيئية: تعتبر الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تتمكن فيه من الحفاظ على أنظمتها الطبيعية في مستويات صحية وإلى المدى الذي تكون فيه هذه المستويات تتجه نحو التحسن لا التدهور.
2- تقليل الضغوطات البيئية: تكون دولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه الضغوطات البشرية على البيئة قليلة إلى درجة عدم وجود تأثيرات بيئية كبيرة على الأنظمة الطبيعية.
3- تقليل الهشاشة الإنسانية: تكون الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه أنظمتها الاجتماعية وسكانها غير معرضين بشكل مباشر للتدهور البيئي وكلما تراجع مستوى تعرض المجتمع للتأثيرات البيئية كلما كان النظام أكثر استدامة.
4- القدرة الاجتماعية والمؤسسية: تكون الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه قادرة على إنشاء أنظمة مؤسسية واجتماعية قادرة على الاستجابة للتحديات البيئية.
5- القيادة الدولية: تكون الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه متعاونة دوليا في تحقيق الأهداف المشتركة في حماية البيئة العالمية وتخفيض التأثيرات البيئية العابرة للحدود.
وفيما يلي أهم التغييرات التي أدّت إلى تدهور البيئة وتؤثر بالتالي على مستقبل الجنس البشري، وعلى استدامة البيئة:
تغيّر المناخ العالمي: يتغير المناخ العالمي بشكل دائم، وهذا التغيير من صنع الإنسان؛ حيث تزيد معظم الأنشطة البشرية على الصعيد العالمي من تراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، الأمر الذي يغيّر المناخ العالمي، ويجدر بالذكر أنّ تغيّر المناخ يؤثّر على كل منطقة من مناطق الأرض؛ حيث تعاني بعض المناطق من موجات حر وجفاف شديدة، بينما تواجه مناطق أخرى عواصف أكثر شدة وتكراراً، فتغير المناخ يؤثر بشكل عام على الإنسان، والطبيعة، والاقتصاد.
خسارة التنوع الحيوي بمعدل غير مسبوق: تتعرض المواطن الطبيعية للكائنات الحية إلى التلوّث والتدمير، ممّا أدى إلى انقراض العديد من أنواع الكائنات الحية، كما شهدت بعض الأنواع الأخرى انخفاضاً كبيراً في أعدادها بسبب الاستخدام الواسع للمبيدات الحشرية؛ كالنحل والفراشات، إضافة إلى ذلك فإنّ الملوّثات الناتجة عن الأنشطة الاقتصادية تتراكم في البيئة، مما يقلّل من قدرة النظم البيئية على التجديد، لينتج من ذلك أنّ التدهور البيئي لا يؤثر على النباتات والحيوانات فقط، بل يؤثّر على البشر أيضاً.
أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة: تتضمن أنماط الإنتاج والاستهلاك االعالمية تحويل المواد الخام إلى سلع يتم استخدامها واستهلاكها، ثم التخلّص منها، مما يؤدي إلى تراكم كميات من النفايات الملوثة، وإلى المنافسة العالمية على الموارد الطبيعية، وهذا بدوره يزيد من المواد والسلع، ويزيد من الملوثات، وإذا استمر الوضع كما هو عليه الآن، فسوف تواجه الأجيال القادمة ارتفاعاً أكثر في درجات الحرارة، وظواهر مناخية شديدة، وعدداً أقل من أنواع الكائنات الحية، وندرة في الموارد، ومزيداً من التلوث، لذلك على صانعي القرار اتخاذ اجراءات أكثر فاعلية للحد من التلوّث وتغيّر المناخ.هناك العديد من المؤشرات التي يمكن استخدامها كأساسٍ لقياس الاستدامة. تضم بعض المؤشرات الشائعة ما يلي:
المؤشرات البيئية وتشمل: إمكانية الاحترار العالمي, إمكانية تحمض المحيطات, إمكانية نضوب طبقة الأوزون, العمق الضوئي للهباء الجوي, إمكانية إغناء الماء, إمكانية الإشعاعات المؤينة, إمكانية تكون الأوزون الكيميائي الضوئي, معالجة المخلفات, استخدام المياه العذبة واستخدام موارد الطاقة.
المؤشرات الاقتصادية وتشمل: الناتج المحلي الإجمالي, الميزان التجاري, دخل الحكومة المحلية, الربح والقيمة والضرائب والاستثمارات.
المؤشرات الاجتماعية وتشمل: خلق الوظائف, أسهم رأس المال,الصحة والسلامة, التعليم , ظروف السكن/المعيشة, التماسك الاجتماعي, الضمان الاجتماعي.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية