الشريعة الإسلامية الغراء التى نزلت لتحكم تصرفات الناس جميعا لم تترك حكم أو سلوك إلا قضت فيه بحكم ، هذا الحكم إما أن يكون نصاً فى الموضوع أو إشارة إليه . ومن هنا كانت الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) . إن هذه الشريعة معصومة ، كما أن صاحبها صلى الله عليه وسلم معصوم وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة . ولقد قبض الله من المسلمين قوماً فهموا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستنبطوا أحكاماً فهموا معانيها من أغراض الشريعة فى الكتاب والسنة تارة من نفس القول وتارة من معناه وتارة من علة الحكم ، حتى نزلوا الوقائع التى لم تذكر على ما ذكر ، وسهلوا لمن جاء بعدهم طريق ذلك . إن الشريعة الإسلامية جاءت رحمة للناس ، اتجهت فى أحكامها إلى إقامة مجتمع فاضل تسوده المحبة والمودة والعدالة والمثل العليا فى الأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع ، ومن أجل هذا كانت غايتها الأولى تهذيب الفرد وتربيته ليكون مصدر خير للجماعة ، فشرعت العبادات سعياً إلى تحقيق هذه الغاية وإلى توثيق العلاقات الإجتماعية ، كل ذلك لصالح الأمة وخير المجموع ، والمصلحة التى ابتغاها الإسلام وتضافرت عليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تهدف إلى المحافظة على أمور خمسة يسميها فقهاء الشريعة الإسلامية الضرورات الخمس : وهى الدين والنفس والمال والعقل والنسل . إذ الدين والتدين خاصة من خواص الإنسان ، ولا بد أن يسلم من كل اعتداء ، ومن أجل هذا نهى الإسلام عن أن يفتن الناس فى دينهم ، واعتبر الفتنة فى الدين أشد من القتل ، قال الله سبحانه : ( والفتنة أشد من القتل ) . ولقد حرص الإسلام على حماية نفس الإنسان وقدمها على أداء الصلاة المكتوبة فى وقتها ، بل وعلى صوم يوم رمضان ، ومن أمثلة هذا ما أورده العز بن عبد السلام .. تقرير التقديم واجب على واجب لتفاوت المصلحة فيهما قوله : ( تقديم إنقاذ الغرقى على أداء الصلوات ثابت ، لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل ، والجمع بين المصلحتين ممكن ، بأن ينقذ الغريق ثم يقضى ، ومعلوم أن ما فاته من أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك ، وكذلك لو رأى فى رمضان غريقاً لا يمكن تخليصه إلا بالفطر فإنه يفطر وينقذه ، وهذا أيضاً من باب الجمع بين المصالح ، لأن فى النفوس حقاً لله وحقاً لصاحب النفس . ومن المعلوم لدى أهل العلم جميعاً أن التشريعات التى شرعها الله لعباده تنقسم إلى قسمين الأول : ما ظهر أنه جالب لمصلحة أو دافع لمفسدة ويعبر الفقهاء عن هذا القسم بأنه معقول المعنى . والقسم الثانى : مالم يظهر فيه جلب المصلحة أو درء المفسدة وهو الذى يعبر عنه الفقهاء ( بالأمر التعبدى ) . ولقد أقر جميع علماء المعتزلة أن كل أحكام الله معللة ودافعهم على هذا القول متأخرو أهل السنة : ( ولنقدم قبل الشروع فى المطلوب مقدمة كلامية مسلمة فى هذا الموضع ) . وهى أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد فى العاجل والآجل معا – وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحة أو فسادا . والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه .. وإذا دل الاستقراء على هذا كان فى مثل هذه القضية منيرا للعلم . فنحن نقطع بأن الأمر مستمر فى جميع تفاصيل الشريعة . ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالفعل وذلك معظم
الشرائع .