والآن ماذا بعد كل هذا الكلام عن الدين؟ خذها نصيحة أخ لك فى الإنسانية يكبرك عمرا ويفوقك تجربة. دعك من الكلام عن الدين، واعمل بالدين نفسه. تذكر أن آلاف الملايين من المسلمين عاشوا وماتوا دون أن يعرفوا شيئا عن علم الكلام ولا عن أصول الفقه ولا الخلافات الفكرية بين طوائف المسلمين، ثم لم ينقصهم جهلهم شيئا.
سلاحك سبحتك. هذا ما خرجت به بعد قراءة عشرات الألوف من الصفحات. العلم الشرعى لا علاقة له مطلقا بالقلب الحقيقى. المهم بحق هو زخمك الروحى. هذه هى الفكرة بالضبط. لتكن لك ساعة خلوة مع ربك كل ليلة. لا أقصد بالساعة ستين دقيقة، ولكن أقصد التعبد فى حد ذاته. اسكب العطر على سجادة صلاتك، وعطّر سبحتك. احرص على هذه الطقوس، فهى تجلو جوهر الصفاء فى نفوسنا. وابدأ ما أمرك الله به فى كتابه أكثر من أى شىء آخر.
أولا التسبيح: ألم تلاحظ من قراءتك القرآن من قبل أن الأمر بالتسبيح تكاد من فرط تكرارها لا يُحصى. ثانيا الحمد، وحمد الله على نعمه الكثيرة تكاد تكون فطرة. وثالثا الاستغفار بأى صيغة ترجوها. ورابعها التكبير. الله أكبر فوق هذه الدنيا. وخامسا: الصلاة على النبى، ناقل كل هذا الجمال إلينا.
■ ■ ■
من الأمور التى تساعدنى كثيرا على جلاء جوهر القداسة فى روحى أن أكون وحدى فى الغرفة (ما أمكن) وأن أجعل الإضاءة خفيفة، شبه معتمة. وأن أقرأ ولو صفحة واحدة من القرآن يوميا، المهم أن تكون مسافرا على أمل الوصول فى رحلة القرآن العظيمة. المهم ركز فى المعنى الكامن خلف النظم القرآنى الممتع، واعلم أن توحيد الله وتعظيمه فى نفسك، وكونه الخالق الذى لا خالق غيره، هو مادة القرآن الأساسية. وتذكر أن الخالق يمجد ذاته العلية ويحمدها قبل أن يحمده حامد. مجرد الفكرة تصيبنى بالقشعريرة.
■ ■ ■
سلاحك سبحتك، أما مكارم الأخلاق فهى عبير العبادة. عبادتك لنفسك لا لله ولا لغيرك، أما أخلاقك مع الناس فهى كل ما يهمهم. الوصية الأولى بعد التوحيد هى بر والديك، فلا يكونا أشقى الناس بك. ثم أنت بعد ذلك تعرف بالفطرة (وقولوا للناس حسنا)، وتعرف أيضا (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
لست بحاجة أن أذكرك بالصلاة لأنها الحد الأدنى من الإسلام، ولا بزكاتك (٢.٥٪) التى هى ليست مالك أصلا. بل هى مال الفقراء جعلها الله أمانة فى عنقك. لن أوصيك بالصوم فأنا أعرف أنك تصوم ولن تتأخر عن الحج متى استطعت.
■ ■ ■
هذا الذى سينفعك أكثر من أى شىء آخر. علاقتك بربك فردية وكذلك الخلاص فردى تماما. لا أحد فى الكون موجود فى الحقيقة إلا أنت وربك