اندهشت كثيرًا من الضجة الكبيرة التي أحدثها البعض لأن ١٥ألف طبيب مصري هاجروا إلى أوروبا في الفترة الماضية.فقلت ليتهم مائة ألف طبيب ومثلهم مائة ألف في كل مجال من مجالات الحياة بحيث يكون المصري حاضرًا ببصمته في كل مكان ويكون له سمعته العلمية والفنية التي تدفع الدول الى طلبه والحرص عليه . لكن المدهش ليس هجرة ١٥ ألف طبيب، وإنما الغضب من ذلك وعدم الاستعداد لمثل هذه الظروف الطيبة التي تصبح فيها مصر مصدرا للعلماء والفنيين والقوة البشرية بصفة عامة لأوروبا وأمريكا وغيرها من الدول التي تعاني نقصًا في الطاقة البشرية يترتب عليه نقصًا في العقول المتخصصة وهو ما فعلته الصين ذات الكثافة البشرية التي ينتشر أبناؤها في كل مكان ويقدمون لبلادهم خدمات جليلة.
والغريب أيضا ألا نربط أبناءنا العلماء والفنيين المهاجرين بأرضهم وبلادهم وبدلا من تلاشى انشغالهم بالوطن مع الايام يزداد هذا الانتماء فبعض الدول تعاملت مع المسافرين منها الذين يعملون في بلاد أخرى باعتبارهم موظفين لديها ،لهم تأمينات يدفعونها ومعاش يحصلون عليه إذا ما بلغوا سن المعاش وبقية حقوق المؤمن عليهم كأنهم يعملون في بلادهم.أما العلماء المهاجرون مؤقتا أو دائما فلا يتركون وشأنهم وأنما يُعد لهم برامج علمية يمارسونها في مراكز البحث والجامعات والمعاهد المصرية يقدمون فيها خبراتهم لزملائهم هنا ويشاركون في حل المشكلات العلمية والصناعية للوطن ويشرفون على الرسائل العلمية ويدربون شباب العلماء والمتخصصين .
نحن نتحدث صباح مساء عن الزيادة السكانية فلم لا يكون أحد وسائل المواجهة إعداد الشباب علميًا وفنيًا للعمل في خارج البلاد فيصبحون مصدرًا للعملة الصعبة وقوة ناعمة لبلادهم تتبني قضايانا الكبرى في وقت الحاجة إلى ذلك ويشاركون بخبراتهم في تطوير الصناعة والزراعة والتجارة وبقية المجالات في بلادهم فيصبح المدرس في الدول العربية والإفريقية والأوروبية من مصر وكذلك الطبيب والمهندس والجيولوجي والكهربائي والسباك والنقاش وغير ذلك وبدلا من أن يكون عاطلًا في بلاده يصبح من الخبرات النادرة التي يبحث عنها العالم لدينا.
وبالتالي يصبح علينا أن ننظر إلى القوة البشرية على أنها ثروة ضخمة تتجاوز في أهميتها الثروات الطبيعية التي حبا الله بها بعض البلاد فننمي هذه الثروة تنمية الحريص الخائف عليها المدرك لعظمتها . ومن هنا نتوسع في تعليم الطب وننفق علية ونزيد في أعداد المقبولين في كلياته وكذلك بقية التخصصات التي نجد إقبالا عليها من سوق العمل الداخلي والخارجي.
أذكر أنه عندما حاصرت الدول العربية مصر اقتصاديًا كان المتعلمون من أبنائها والفنيون الذين يعملون في البلاد العربية المصدر الأكبر للعملة الصعبة ولم تستطع الدول العربية ان تستغني عن هذه العمالة وكان حديث المهتمين من المفكرين :ماذا لوعادت هذه القوة البشرية إلى أرض الوطن فجأة ؟ وهو ما حدث في غزو الكويت ثم حصار العراق وغزوها بعد ذلك وهو أمر مازلنا نعاني من آثاره فإذا عرفنا أن دول أوروبا في حالة تناقص مطرد في عدد سكانها أدركنا أن حاجتها إلى البشر ستتواصل إلى عقود قادمة فلم لا نكون نحن المصريين من يسد هذه الحاجة ؟ إذا أردنا ..نستطيع