عندما تقرأ خبرا عن إلغاء مباراة إسرائيل وروسيا فى تصفيات دورى الأمم الأوروبية لكرة القدم بسب انتهاكات روسيا لحقوق الإنسان فى حربها على أوكرانيا، واحتساب نقاط الفوز لصالح الفريق الإسرائيلى، لابد أن يصيبك شيء من دوار، وأنت ترى كيف تطبق المعايير المزدوجة بكل هذا الفجور العلنى، فالذين يعاقبون روسيا لانتهاكها حقوق الإنسان فى أوكرانيا ألا يرون الجرائم التى ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى ؟ ألا يرون الاعتداءات اليومية على المقدسات والزراعات ومصادرة الأراضى وهدم البيوت وتهجير المواطنين من مساكنهم وإجراءات الفصل العنصرى ؟ أليس للمواطن الفلسطينى عندهم نفس الحق الإنسانى فى أن يعيش بأمن وسلام مثل المواطن الأوكرانى؟
لقد اعترفت الأمم المتحدة منذ عقود بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وأصدرت بذلك قرارات عديدة، وأسمتها “الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف”، لكن هذه القرارات ظلت حبيسة الأوراق والأدراج، غير ذات تأثير فى مجريات الأحداث، فلم تؤاخذ إسرائيل بشكل جدى فى يوم ما على جرائمها البشعة ضد الشعب الفلسطينى، بل تستطيع دائما أن ترمى الآخرين بدائها وتنسل من أية جريمة تقترفها، وآخرها على سبيل المثال قتل المراسلة الفلسطينية شيرين أو عاقلة، ثم بعد أيام قلائل قتل الصحفية الفلسطينية غفران هارون دون حساب أو عقاب .
عالمنا المنافق لايرى إلا جرائم روسيا وما شابهها، أما جرائم إسرائيل المتكررة يوميا فلا أحد يستطيع أن يشير إليها ولو من بعيد، اللهم إلا بعبارات خجولة لا تبنى موقفا، وغالبا ما تستخدم هذه العبارات الخجولة لتمرير الجريمة إلى أن تقع جريمة أخرى .
العالم يعرف أنه ينافق إسرائيل، ويعرف أن إسرائيل تنتهك القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، وإسرائيل تعرف أنها تضرب بالقوانين والقرارت الدولية عرض الحائط، وتضع نفسها فوق أية قرارات وقوانين، ولا تنتظر عقابا من أية جهة على جرائمها، بل هى التى تعاقب من تسول له نفسه أن يتعاطف مع الشعب الفلسطينى .
الأخطر من ذلك الدور الذى تلعبه إسرائيل سرا وعلنا فى المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووى الإيرانى، فإسرائيل التى ليست طرفا فى المفاوضات أصلا، وليس لها مندوب على الطاولة، هى فى الواقع التى تتزعم تيار التشدد فى مواجهة إيران، وترفع سقف التنازلات المطلوبة من طهران، وهى التى تحرض وتوجه الاتهام وتقدم الأدلة ضد المشروع النووى الإيرانى، لكنها أبدا لاتجيب عن سؤال مهم : وماذا عن البرنامج النووى الإسرائيلى ؟ هنا تصمت إسرائيل، وسرعان ما تنتقم ممن تجرأ وطرح السؤال .
فى الأسبوع الماضى قال رئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت إن إيران تكذب على العالم بخصوص مشروعها النووى، وتطبق خطة خداع، وتقدم قصة مفبركة للتغطية على أنشطتها النووية السرية، وقد استطاعت إسرائيل بإمكاناتها الاستخباراتية أن تصل إلى مواقع سرية لأنشطة نووية محظورة فى إيران، وأن تجمع أدلة وتقدمها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذه الأدلة هى التى استند إليها مدير عام الوكالة فى إدانته مؤخرا لإيران .
حسنا، جهد مشكورلاشك، ولكن ماذا عن البرنامج النووى الإسرائيلى، الذى لايقل خطرا على أمن المنطقة واستقرارها وأمن العالم واستقراره من خطر البرنامج الإيرانى؟
هذا السؤال ليس مطروحا من الأساس، ولا يجرؤ مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية على طرحه، رغم أنه سؤال منطقى وفى وقته تماما، ومن الواجب طرحه، مادامت إسرائيل تريد أن تظهر بمظهر الدولة الحريصة على السلم والأمن ومحاربة الأنشطة النووية السرية .
والمعروف عالميا أن إسرائيل تمتلك مايتراوح بين 200 إلى 300 رأس نووى، حسب التقديرات القديمة، لكنها تتبنى استراتيجية ” الغموض النووى ” أو ” التعتيم النووى”، فلا هى تعترف رسميا بامتلاك أسلحة نووية، ولم توقع على اتفاقية الحد من الانتشار النووى، ولا تنفى امتلاكها لأسلحة نووية حتى لاتفقد قوة الردع النووى، وهى تفعل ذلك بمباركة أمريكية وصمت دولى مريب .
لكن البرنامج النووى الإسرائيلى الذى بدأ فى خمسينيات القرن الماضى لم يعد سرا، وقد نشرت عنه كتب عديدة لعل أشهرها وأشملها فى عالمنا العربى كتابان: الأول ” البرنامج النووى الإسرائيلى والأمن القومى العربى ” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب 1996 للدكتور ممدوح حامد عطية، والثانى ” البرنامج النووى الإسرائيلى بين الدعم الأمريكى والانتهاك الدولى ” للدكتورة آمنة مسعودى، والكتابان متاحان على شبكة الإنترنت لمن يريد الاستزادة .