لقد بيّنت جائحة فيروس كورونا المستجدّ بوضوح جلي ومؤلم أنّ وضع سكّان العالم البالغ عددهم 7,8 مليار نسمة ليس متشابهاً. ففيما الفيروس لا يفرّق بين شخص وآخر وأثّر في الأثرياء والفقراء وكلّ من يقع بين هاتين الطبقتَين، بيّنت ظروف العمل والعيش الصعبة الكامنة التي يقاسيها العمّال الوافدون في الخليج بوضوح متزايد أنّهم يعانون بشكل متفاوت. وظروف العمل والإقامة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بقوانين العمل وسياساته في الخليج.
فالصلة بين العامل الأجنبي وصاحب العمل والدولة هي تلك التي تحافظ على نظام الكفالة الذي يصبّ بشكل شديد في مصالح أصحاب العمل على حساب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية للموظّفين.
ومع استمرار الدول بمواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية وتحديات سياسات الصحّة العامة، يشكّل عصر ما بعد فيروس كورونا المستجدّ فرصة مؤاتية جداً لمعالجة الطرق التي تحرص على تأمين حماية اجتماعية طويلة الأمد التي ستساعد الدول الخليجية على التحوّل إلى اقتصادات مستدامة مرتكزة على المعرفة.
بيد أنّه لا يمكنها تحقيق أثر مجدٍ من دون آليات تطبيق فعالة على المستوى المحلّي وفي اتّفاقات العمل الثنائية والتنشئة الاجتماعية للإصلاحات ضمن المجتمع وأدوات مراقبة وتقييم محدّدة السياق تمثّل تجارب العمّال المعقّدة.
ما هي الرعاية الصحية الأولية؟
الرعاية الصحية الأولية هي نهج للصحة والرفاهة يشمل كل المجتمع ويتمحور حول احتياجات وأولويات الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية. وهي تتناول الصحة والرفاهة بجوانبهما البدنية والنفسية والاجتماعية الشاملة والمترابطة.
وجوهرها هو توفير الرعاية للشخص ككل فيما يخصّ الاحتياجات الصحية طوال الحياة، ولا تقتصر على مجموعة من الأمراض المحدّدة. وتضمن الرعاية الصحية الأولية حصول الأشخاص على رعاية شاملة، تتراوح بين الإرشاد والوقاية إلى العلاج وإعادة التأهيل والرعاية الملطِّفة كأقرب ما يمكن إلى بيئة الناس اليومية.
وترتكز الرعاية الصحية الأولية على التزام بالعدالة الاجتماعية والإنصاف وعلى الاعتراف بالحق الأساسي في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، كما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ” لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وقد أعيد تفسير مفهوم الرعاية الصحية الأولية وأعيد تعريفه بشكل متكرر. ففي بعض السياقات، يشير إلى توفير خدمات الإسعاف أو المستوى الأول من خدمات الرعاية الصحية الشخصية. وفي سياقات أخرى، تُفهَم الرعاية الصحية الأولية على أنها مجموعة من التدخّلات الصحية ذات الأولوية للسكان ذوي الدخل المنخفض (وتسمّى أيضاً الرعاية الصحية الأوّلية الانتقائية). ويفهم آخرون الرعاية الصحية الأولية كعنصر أساسي للتنمية البشرية، يركِّز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
يتم تعريف مكونات أرضية الحماية الاجتماعية أو “الضمانات” وفقا للأنظمة والظروف الوطنية للحماية الاجتماعية، مما يعطي مرونة في إنشاء أرضية الحماية الاجتماعية التي من شأنها دعم الحكومة في تنفيذ أهدافها الاستراتيجية المتعلقة بالحد من الفقر، وكذلك التنمية الاقتصادية.
وتقوم استراتيجية منظمة العمل الدولية بشأن توسيع نطاق الحماية الاجتماعية على الاستراتيجية ثنائية الأبعاد والتي تم اعتمادها خلال الدورة رقم 100 لمؤتمر العمل الدولي في عام 2011.
وتهدف هذه الإستراتيجية ثنائية الأبعاد الى التنفيذ السريع لأرضية الحماية الاجتماعية الوطنية التي تحوي ضمانات اجتماعية أساسية هدفها ضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية الأساسية وتأمين دخل لا يقل عن مستوى حد أدنى يتم تحديده وطنياً (البعد الأفقي)؛ وذلك تماشياً مع التوصية رقم 202 لعام 2012 والخاصة بأرضية الحماية الاجتماعية، والتي تتيح رفع مستوى الحماية تدريجياً لمستويات أعلى من الحماية الأساسية (البعد الرأسي) في إطار نظم الضمان الاجتماعي الشاملة وفقاً (المعايير الدنيا) لاتفاقية الضمان الاجتماعي لعام 1952
كما أن الهدف رقم 1 “القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان” بالأهداف المستدامة للتنمية (2016/2030)، والهدف 1.3 “تنفيذ نظم الحماية الاجتماعية المناسبة وطنيا للجميع، بما في ذلك الحدود الدنيا” تعترف بدور أرضيات الحماية الاجتماعية في التخفيف من حدة الفقر والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تم أولياً البدء في حصر البرامج والأنظمة الاجتماعية القائمة في مصر والتقى وفد من خبراء منظمة العمل الدولية والمستشارين مع ممثلي وزارات المالية والتضامن الاجتماعي والتخطيط وغيرها من الجهات المعنية من نقابات العمال ومنظمات أصحاب العمل والمنظمات الدولية.
وقد تم تحديد البرامج الاجتماعية القائمة في مصر وبعض التوصيات التي من الممكن أن تسهم في تحديد أرضيات الحماية الاجتماعية من قبل الحكومة المصرية والجهات المعنية الأخرى. وبناء على تقييم وملاحظات مختلف الجهات المعنية والحكومة المصرية، سيبدأ الحوار الوطني الذي من شأنه أن يؤدي إلى تطبيق أرضية متفق عليها.
تُعَدّ المصلحة هي الدافع الأول للنشاط الإنساني في كلّ مجالات الحياة. فكلّ ما يسعى إليه الإنسان من فكرٍ أو عمل يرجع في حقيقته إلى دافع خفيّ هو المصلحة. وهذا الدافع لا يتوقّف عند غاية الفرد، وإنّما هو ما تسعى إليه أيضاً الجماعة. فالكلّ يسعى في الحياة بحثاً عن المصلحة، سواء كانت فردية أو جماعية، مادية أو معنوية، دنيوية أو أخروية.
إلاّ أن المذاهب العقلية قد نظرت إلى المصلحة بما يخالف المصلحة كما حدَّدتها التشريعات الإلهية. فالمصلحة بالمنظور العقلي محدودة بحدود الزمان والمكان، وأيضاً بحدود عقل الإنسان ورغباته، في حين أن للمصلحة كما حدَّدتها الشرائع الدينية مفهوماً مختلفاً، وكذلك نطاقاً مختلفاً.
وإذا كان إشباع جميع الرَّغَبات والمطالب والحاجات أمراً غير ممكن فقد وضع «باوند» طريقةً للترجيح بين المصالح والموازنة بينها. فقد حاول عند تقييم المصالح والموازنة بينها أن تكون الموازنة بين مصلحتين من صنفٍ واحد، أي أن تكون الموازنة إما بين مصلحتين فرديتين؛ أو بين مصلحتين عامتين؛ أو بين مصلحتين اجتماعيّتين، بمعنى عدم جواز المقارنة أو الموازنة بين مصلحةٍ فردية وأخرى اجتماعية وثالثة عامّة.
ولمّا كانت المصالح الفردية بدورها تعكس مصالح اجتماعية معيَّنة فقد رأى «باوند» أنّه من الملائم أن تتمّ المقارنة بين المصالح بعد تحويلها إلى صورتها الأكثر تعميماً، أي باعتبارها مصالح اجتماعية.
أما عن المعيار الذي يقدِّمه «باوند» لتقييم المصالح والموازنة والترجيح بينها فإنه يعلن صراحةً شكَّه في إمكانية وضع معيارٍ واحد واضح ومحدَّد، يمكن تطبيقه في الموازنة بين المصالح. ومن ثمّ يرى بَدَلاً من ذلك أنّ على رجل القانون أن يدرك الطبيعة الحقيقية لمسؤوليته في ضوء الأهداف الاجتماعية؛ من أجل تحقيقها وتأبيدها، وأن يسلك في سبيل ذلك طريق العقل،
وأن يعتمد على أفضل المعلومات التي يمكنه الحصول عليها، فيقول: «لا أعتقد بأنّه يتوجَّب على رجل القانون أكثر من أن يقرّ بوجود المشكلة، وأن يدرك أنّ عليه أن يؤمّن حماية جميع المصالح الاجتماعية بالقَدْر المستطاع، وأن يحافظ على إقامة توازن أو توافق بين هذه المصالح، ينسجم ويتلاءم مع فكرة ضمانها وحمايتها جميعاً. إن فقهاء القرن الحالي يميلون إلى تفضيل حماية حياة الفرد الأخلاقية والاجتماعية»
فالحلّ إذن يكمن في إدراك رجل القانون أن المشكلة خاصّة بحماية المصالح الاجتماعية، وأن عليه أن يحافظ على توازنٍ بينها، بما يتّفق مع حماية كلٍّ منها، مع تحقيق نوع من الهندسة الاجتماعية، وأن يسلك في ذلك سبيل العقل.
إن الغاية التي يُنشدها القانون من خلال أدائه لوظيفته هو التوفيق بين المصالح المتنازعة، و«إشباع أكبر قدرٍ ممكن من الرَّغَبات الخاصّة بالمجموع الاجتماعي، وبأقلّ تضحيةٍ ممكنة لضمان المصالح الاجتماعية ضماناً أشمل وأشدّ فاعلية، وللتخلص المستمرّ من تبديد الموارد وإهدارها بصورةٍ أكثر فعالية وكمالاً، وللحيلولة دون الاحتكاك لدى استمتاع الناس بأرزاقهم».
وخلاصة القول: إن نظريّة المصلحة عند «باوند» كانت انعكاساً للقِيَم الأخلاقية التي عكَسَتْها البيئة الاجتماعية الأمريكية، والتي قامت في أساسها على نظرية التطوُّر لدارْوِن، والمفهوم البراغماتي للقِيَم. وانعكست هذه القِيَم في كلّ أنظمة المجتمع الأمريكي، سواء كانت أنظمة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو قانونية.
ونظر «باوند» إلى القانون على أنّه وسيلة لتلبية المصالح الاجتماعية، وأداة للتنمية الاجتماعية. ولم تَعُدْ للقِيَم قيمةٌ مطلقة، بل تتحدَّد بمدى تحقيقها لأكبر قدر من المصالح لأكبر عددٍ من الناس، أو ما أسماه بـ «الهندسة الاجتماعية»، وهي التي تلبي أكبر قدر من اللذّة والرغبات والمصالح لأكبر عددٍ من الأفراد. فإذا تنازعت هذه الرغبات وتداخلت كانت وظيفةُ القانون ورجل القانون ضبطَ سلوك الأفراد وتنظيم العلاقات بينهم، والتوفيق بين المصالح المتنازعة. وعند التعذُّر يُتْرَك الأمر لاجتهاد القاضي.