خدعوك فقالوا ” يسقط حكم الأزهر “، هؤلاء العلمانيون الجدد يعمدون دائما إلى التحريض العلنى على الأزهر الشريف وشيخه الجليل، ويختلقون مواجهة بين الأزهر والدولة، وذلك فى إطار حملاتهم السافرة لإسكات الأزهر وإسقاطه، يستفزهم كل موقف يتخذه، وكل كلمة ينطق بها، يريدونه جثة هامدة بلا حراك، وهم فى الحقيقة لايجابهون الأزهر، وإنما يجابهون الدين الذى يدافع عنه الأزهر، ويتحدث بلسانه .
لايحتاج هؤلاء العلمانيون المستفزون مناسبة للهجوم على الأزهر الذى صار شوكة فى حلوقهم، فهم يهاجمونه ليل نهار، بمناسبة وبغير مناسبة، بعد أن كانوا يتظاهرون بالوقوف إلى جانبه والدفاع عنه فى مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، والآن جعلوه هدفهم، ولم يتورعوا عن النيل من شيخه الجليل، الذى يحظى بمكانة عالية فى المجتمع، وباحترام عالمى، لعلمه وثقافته واعتداله .
وقد بلغوا ذروة الفجور فى حملتهم الأخيرة على الأزهر وشيخه، فى أعقاب البيان الذى نشره مركز الأزهر العالمى للفتوى الأليكترونية عشية عيد الأضحى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك بعنوان ” محظورات العيد “، وتحدث فيه عن المحرمات والمكروهات، ومنها خروج الشباب والفتيات إلى المنتزهات غير ملتزمين بضوابط وأوامر الإسلام، وخروج المرأة إلى صلاة العيد متزينة غير ملتزمة بالحجاب، وصلاة النساء إلى جوار الرجال فى صلاة العيد، وقطيعة الرحم مع الأهل والأصدقاء، وكراهية زيارة القبور يوم العيد لأنه يوم بهجة وسرور، وهذه كلها أمور معروفة لكل ذى دين، وترتبط بالضوابط الأخلاقية والقيمية التى يقوم عليها المجتمع، فلا بدعة فيها ولا جديد .
لكن العلمانيين أصحاب الصوت العالى، الأوصياء الجدد علينا، حولوا البيان إلى معركة، وانتفضت كتائبهم المتربصة تنهال عليه تقريعا ونقدا لاذعا، ثم اتسع نطاق النقد ليتحول إلى هجوم وتحريض على الأزهر وشيخه، وقادت الهجوم الكاتبة سحر الجعارة، التى قالت عبر حسابها على تويتر : ” شيخ الأزهر ليس وصيا على المجتمع، والحجاب ليس فرضا، هذا تغول على سلطات الدولة “.
ثم توالت فصول الهجمة الممنهجة، فكتب أحدهم ” يسقط يسقط حكم الأزهر”، وكتب آخر ” الشيوخ لم يقدموا لنا شيئا نافعا “، وكتب ثالث ” ماذا قدم الأزهر لمصر أو لٍلاسلام ؟ “، وعلى هذا النحو تدفقت التعليقات الوقحة من المغردين والمدونين العلمانيين، تحط من شأن الأزهر وعلمائه، وتطالب بتعديلات فى منهجه وفتاويه .
لكن البعد الأهم فى هذه الهجمة هو ما يتعلق بالتحريض على الأزهر، والعمل على إرهابه وإقصائه، فلا يكون له دور، ولا يسمع له صوت، وبذلك يضمنون إقصاء الدين نفسه عن الواقع وعن حياة الناس .
ولو أنهم اكتفوا بانتقاد البيان وعرض وجهات نظرهم لما كان عليهم من حرج، فهذا حقهم وحق كل مواطن، لكنهم جنحوا إلى مماسة دور إقصائى بغيض ضد الأزهر وعلمائه، لأن الأزهر لا يسير على هواهم، ولا يستجيب لدعواتهم الهدامة، فزعموا أن الأزهر يفرض وصايته على الناس، والحقيقة أنهم هم الذين يريدون أن تكون لهم وصاية على المجتمع وعلى الأزهر، ويريدون فرض رؤيتهم وتصوراتهم علينا، بادعاء أنهم المستنيرون المتحررون، وأنهم يعرفون مصلحتنا أكثر منا، مع أنهم فى الواقع مرفوضون دينيا، ومرفوضون شعبيا .
أما الأزهر فإنه لايحكم ولا يتحكم فى أحد، ولا يدعى لنفسه سلطة كهنوتية على الناس، ولا يمارس وصاية من أى نوع، ولا يجبر أحدا على شيء، ناهيك عن أن يدخل فى مواجهة أو ” تغول “على سلطات الدولة، كما تدعى الجعارة، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قرر فى كتابه العزيز أنه ” لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي”، فهل يكون الأزهر متجاوزا سلطان الخالق العظيم لينصب نفسه وصيا، يكره الناس على رأي معين .
الأزهر يؤدى رسالته، ويقوم بدوره المنوط به تاريخيا ودينيا، والمحدد دستوريا، وهو دور يطلبه المسلمون، ولا غنى لهم أو لوطنهم عنه، فى ظل تيارات الضلال التى تتلاطم من حولهم، هذا الدور يقتصر على بيان الرأى الشرعى، المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، ثم يكون لكل شخص مطلق الحرية فى أن يأخذ برأى الأزهر أو لا يأخذ، دون إجبار.
وفى كل الأحوال فإن الأزهر ليس صاحب عقيدة، ولا مؤسس شريعة، وإنما هو ناقل ومبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومفسر وشارح للنصوص والتكاليف طبقا لقواعد العلم المتواتر والمتراكم فى أقدم جامعة علمية عرفها التاريخ، وشهد لها القاصى والدانى بالاعتدال والوسطية والتسامح والانفتاح على كل جديد .
كان الأزهر وسيظل منارة الإسلام فى مصر والعالم الإسلامى، بل فى العالم أجمع، ولا يستطيع أحد إنكار أنه أحد الأسباب المهمة للحفاظ على الدين والتدين المعتدل فى مصر، والحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع، بالإضافة إلى دوره الرائد المعروف فى الحركة الوطنية ومقاومة الاحتلال والاستبداد، والانفتاح على التيارات الفكرية العالمية والعلوم الحديثة .
الأزهر تاريخ طويل حافل بالمجد والفخار، ولن ينال منه عبث الصغار الذين يهتفون بسقوطه، ويطالبون بكل وقاحة باستقالة شيخ الأزهر أو إقالته، وبتعديل مواد الدستور المتعلقة بدور الأزهر ورسالته ومكانة شيخه، وقبل ذلك وبعده يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور التى تحدد هوية مصر، وتنص على أن دينها الإسلام ولغتها الرسمية هى اللغة العربية ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع .
وما من مصرى يعيش على هذه الأرض الطيبة، إلا ويعلم علم اليقين أن الهجوم على الأزهر مجرد مقدمة للهجوم على الإسلام، ويوم يتمكن هؤلاء من الأزهرـ لاقدر الله ـ فسوف يسقطون الأقنعة، ويشحذون أسلحتهم لخوض المعركة الأخيرة والسافرة مع الإسلام .