ولم يتطرق الفقه القانوني لتعريف الاعتراف المؤول للمتهم ويمكن ان نعرفه بانه ( استنباط قاضي التحقيق او محكمة الموضوع لحقيقة ارتكاب الجريمة من ظاهر أقوال المتهم المدونة في مرحلة التحقيق الابتدائي او القضائي واثارة مسؤوليته الجزائية عنها متى ما تطابقت تلك الأقوال مع ادله الأثبات الجزائي الأخرى المتوافرة في الدعوى)
ويشترط لصحة الاعتراف المؤول ما يشترط لصحة الاعتراف الصريح اذ يجب توافر الأهلية الإجرائية للمتهم المعترف والمتمثلة بان يكون المعترف متهما بارتكاب جريمة وتوافر الادراك والتميز عند تدوين أقواله بالاعتراف وان يصدر الاعتراف عن إرادة حرة الأمر الذي يوجب عدم الأخذ بالاعتراف الحاصل بالإكراه المادي أو الأدبي وان يكون الاعتراف مستندا الى إجراءات صحيحة إضافة إلى اشتراط استنباط المحكمة للاعتراف من أقوال المتهم المدونة أمام السلطة المختصة.
والقاعدة العامة التي تحكم الاعتراف المؤول فانه لا يجوز تأويل الاعتراف اذا كان هو الدليل الوحيد في الدعوى وبمفهوم المخالفة فانه لا يوجد ما يمنع من تأويل الاعتراف الجزائي من قبل المحكمة في حالة ما اذا كانت هنالك ادله أخرى تعاضده وتسانده بغية أثبات ارتكاب المتهم المعترف للجريمة وقد استقر قضاء محكمة النقض على عدم الاعتداء بالاعتراف سواء أكان صريحا ام مؤولا الواقع في مرحلة التحقيق الابتدائي في حالة رجوع المتهم عنه أمام محكمة الموضوع في حالة ما اذا كان ذلك الاعتراف مجردا ولم يسانده دليل او قرينة تؤيد صحة ذلك الاعتراف.
الاعتراف هو دليل الإثبات الأول في القانون الجنائي، إلا أنه لا ينبغي المبالغة في قيمته، حتى لو توافرت له كل شروط الاعتراف القضائي الصحيح، فقد لا يكون صادقاَ ممن أقر به، وقد يكون صادر عن دوافع أخرى ليس من بينها قول الحقيقة، مثل الفرار من جريمة أخرى، أو تخليص الفاعل الحقيقي من العقوبة مقابل المال، أو لوجود صلة قرابة معينة، وغيرها من الأسباب.
هل الاعتراف سيد الأدلة؟
يجب على القاضي الجنائي، أن يتبين من قيمة الاعتراف وصحته، عن طريق المطابقة بينه وبين الواقع من جهة، وبينه وبين الأدلة المادية والقولية من جهة أخرى، عندها إما أن يأخذ به أو يلقيه جانباَ، استناداَ إلى القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي، وله أن يجزأ اعتراف المتهم، على خلاف عدم جواز ذلك بالنسبة للإقرار المدني، حيث يجوز له أن يأخذ منه ما يطمأن له، ويعتبره صحيحاَ، ويلقى ما يراه منها غير صحيح، والاعتراف من المسائل الموضوعية، التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها، وقيمتها التدليلية على المعترف.
أولاَ: تعريف الاعتراف
في البداية – الاعتراف كما نصت عليه المادة 271 إجراءات جنائية: “يبدأ التحقيق في الجلسة بالمناداة على الخصوم والشهود، ويسأل المتهم عن اسمه ولقبه وسنه وصناعته ومحل إقامته ومولده، وتتلى التهمة الموجهة إليه بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور على حسب الأحوال، ثم تقدم النيابة والمدعي بالحقوق المدنية إن وجد طلباتهما، وبعد ذلك يسأل المتهم عما إذا كان معترفاً بارتكاب الفعل المسند إليه،
فإن اعترف جاز للمحكمة الاكتفاء باعترافه والحكم عليه بغير سماع الشهود، وإلا فتسمع شهادة شهود الإثبات، ويكون توجيه الأسئلة للشهود من النيابة العامة أولاً، ثم من المجني عليه، ثم من المدعي بالحقوق المدنية، ثم من المتهم، ثم من المسئول عن الحقوق المدنية، وللنيابة العامة وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية أن يستجوبوا الشهود المذكورين مرة ثانية لإيضاح الوقائع التي أدوا الشهادة عنها في أجوبتهم –ثانياُ: شكل الاعتراف
الاعتراف أما أن يكون شفهيا أو يكون مكتوبا وأي منهما كاف في الإثبات، ويمكن أن يثبت الاعتراف الشفوي بواسطة المحقق أما الاعتراف المكتوب فليس له شكل معين، والاعتراف أمر متروك لتقدير المتهم ومشيئته، فإذا رأى أن الصمت أحسن وسيلة يدافع بها عن نفسه ضد الاتهام الموجه له، فله الحق في عدم الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه.
كما لا يجوز تحليف المتهم اليمين القانونية قبل الإدلاء بأقواله وإلا كان الاعتراف باطلا وإذا تضمن الاعتراف أقوالا غير صحيحة فلا يعد تزويرا ولا يعاقب عليه، والاعتراف لا يعد حجة في ذاته، وإنما يخضع دائما لتقدير قاضى الموضوع ولا يعفى سلطة الاتهام والمحكمة من البحث في باقي الأدلة وللمتهم أن يعدل عن اعترافه في أي وقت دون ان يكون ملزما بإثبات عدم صحة الاعتراف الذي عدل عنه، وهذا الأمر يخضع لتقدير المحكمة.
الإقرار هو اعتراف شخص بحق عليه لآخر، وقد يقع الاعتراف على الحق ذاته أو يقع على المصدر الذي أنشأ الحق، بل قد يقع على أي ادعاء كان، ويعتبر حجة على المقر بحق المقر له ولو لم يكن مسجلا أو ثابتا بالكتابة، وليس للإقرار شكل خاص، فيجوز أن يكون من خلال رسالة مكتوبة إلى المقر له أو إلى اي جهة أخرى، والأمر موكول للقاضي ليقرر مدى قوته في الاثبات وفقا لظروف الدعوى وملابساتها، ولكن يجب التزام القاضي عند تفسير الاقرار بما يحمله من عبارات ولا خروج فيه عن المعنى الظاهر. والاعتراف أو الاقرار قد يكون قضائيا ويقصد به اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة من شأنها أن تنتج آثارا قانونية بحيث تصبح في غير حاجة إلى الاثبات، ويعتبر هذا الاقرار تصرف قانوني من جانب واحد وهو اخبار بأمر وليس انشاء لحق جديد. فهو اعتراف أو اخبار بحدوث واقعة معينة في وقت معين أو بثبوت حق معين قبل تاريخه،
ومن شأنها أن تنتج آثارا قانونية بحيث تصبح في غير حاجة الى اثبات. والاقرار القضائي يجب أن يصدر أمام جهة قضائية، وبناء على ذلك فإنه يجب أن يصدر من ذي الشأن نفسه وأثناء نظر الدعوى وأمام المحكمة مهما كان نوع المحكمة سواء كانت مدنية أو تجارية أو ادارية أو أمام أي هيئة لها سلطة قضائية، ويرى البعض أيضا ان الاقرار أمام الخبير المنتدب في الدعوى يعتبر اقرارا قضائيا، وكذلك الاقرار الصادر أمام هيئة محكمين أو محكم فرد، أما الإقرار أمام أي جهة إدارية كمخفر الشرطة لا يعتبر اقرارا قضائيا، ولا يشترط حتى يعتبر الاقرار قضائيا ان يصدر أمام محكمة مختصة بنظر الدعوى، وإذا صادف التعبير الصادر من الخصم أمام المحكمة قبولا لأمر عرضه عليه الخصم الآخر في الجلسة فإن ذلك لا يعتبر اقرارا بل اتفاقا على الصلح يكون له حجة وتكون له قوته الملزمة في أية دعوى أخرى بين الطرفين. ويكون الاقرار صحيحا ونافذا من دون حاجة إلى ذكر سببه لأن السبب ليس ركنا في صحته، فتصبح الواقعة التي أقر بها في غير حاجة إلى الاثبات ويأخذ بها القاضي.
شروط صحة الاعتراف :-
أولاً: أن يكون من المتهم على نفسه
يشترط فى الاعتراف الذى يعتد به والذى يجيز للمحكمة الاكتفاء به والحكم على المتهم بغير سماع الشهود أن يكون من المتهم وقبل سماع الشهود وأن يكون من المتهم على نفسه. والفرد لايكتسب صفة المتهم الا منذ تحريك الدعوى الجنائية ضده ، وقبل هذا الاجراء فان مايدلى به من أقوال يكون له قيمة الاستدلالات.
وحجية الاعتراف قاصره على المتهم فقط ولذلك فالأقوال الصادرة من المتهم فى الدعوى على متهم آخر فيها لاتعد اعترافا صحيحا فى حكم المادة رقم 271 اجراءات وهى فى حقيقتها ليست الا شهادة متهم على متهم آخر وتعد من قبيل الاستدلالات ولا تصح بالتالى أن تكون سببا فى عدم سماع الشهود. وإن كان ليس هناك بداهه مايمنع القاضى من التعويل عليه بوصفه استدلالات اذا اطمأن اليه ويستوى ان يكون المتهم الذى اخذ بأقوال زميله المتهم الآخر مقرا بالتهمه أم منكرا لها.
والاعتراف مسأله شخصية تتعلق بشخص المتهم المقر نفسه ، فاذا سلم المحامى بالتهمه المنسوبه الى موكله ولم يعترض ،فإن ذلك لايعد اعترافا.
وفي هذا تقول محكمة النقض
من المقرر ان قول متهم على آخر هو فى حقيقه الامر شهادة يسوغ للمحكمة ان تعول عليها فىالادانة وان تقدير ألاقوال التى تصدر من متهم على آخر إثر إجراء باطل وتحديد صله هذه الاقوال بهذا الإجراء وما ينتج عنه هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث اذا قدرت ان هذه الاقوال صدرت منه صحيحة غير متاثر فيها بهذا الاجراء الباطل جاز لها الاخذ بها وكان الحكم المطعون فيه فيما اورده رد على ما اثاره المدافع عن الطاعن من بطلان اعتراف المتهم الثانى من اقوال فى حق نفسه وفى حق الطاعن وخلوها مما يشوبها واستقلال هذه الاقوال عن التحريات والاستدلالات التى يزعم الطاعن بطلانها وكان ما اورده الحكم من اقوال المتهم الثانى لا يمارى الطاعن فى ان له معينه الصحيح من الاوراق فانه لا تثريب على الحكم اذا هو استمد من تلك الاقوال ما يدعم الادله الاخرى التى اقام عليها قضاءه بالادانة. فمن ثم لا يقدح فى سلامة الحكم خطأ المحكمة فى تسمية أقوال المتهم اعترافا طالما أن المحكمه لم ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف.
( الطعن رقم 6840 لسنة 60 ق جلسة 3/10/1991 ).
ثانيا: توافر الأهلية الاجرائية للمعترف
الأهلية الاجرائية هى الأهلية لمباشرة نوع من الاجراءات على نحو يعتبر معه هذا الاجراء صحيحا وينتج آثاره القانونية وهذه الأهلية تقوم على عنصرين هما:
1-أن يكون المعترف متهما بارتكاب الجريمة التى يعترف بها.
2-وأن يتوافر لديه الادراك والتمييز وقت الإدلاء بهذا الاعتراف.
ويقصد بالادراك والتمييز ، قدرة الشخص على فهم ماهية افعاله وطبيعتها وتوقع آثارها وليس المقصود فهم ماهية التكييف القانونى للفعل ، فالشخص يسأل عن فعله ولو كان يجهل بأن القانون يعاقب عليه اذ لادخل للنيه فى الاعتراف لأن القانون هو الذى يرتب الآثار القانونية على هذا الاعتراف ولو لم تتجه نية المعترف الى حصولها. وينعدم هذا الادراك والتمييز بسبب صغر السن والجنون والعاهه العقلية والغيبوبة الناشئة عن سكر او مواد مخدره. والقانون المصرى يعفى من المسئولية الصغير الذى لم يبلغ من العمر 7 سنوات حيث افترض الشارع أن التمييز يكون منعدما فى هذا السن ولا يعتد فى الاثبات باعتراف المتهم المجنون او المصاب بعاهه فى العقل نظرا لأن هذه الامراض تعدم الشعور والادراك ونفس الشىء بالنسبة للسكران لأنه يكون فاقد الادراك أما اذا لم يفقد الشعور تماما فلا يبطل اعترافه ولكن لايجوز للمحكمة أ ن تكتفى به وحده بل لأبد من تأييده بادله أخرى.
وفى هذا تقول محكمة النقض
أن المقرر أنه ينبغى فى الاعتراف لكى يكون صحيحا يمكن الاستناد اليه كدليل فى الحكم أن يكون المتهم أدلى به وهو فى كامل ارادته ووعيه ، فلا يجوز الاستناد الى الاعتراف الذى يصدر من المتهم فى حالة فقدان الارادة كما لو كان تحت تأثير مخدر أو عقار يسلبه ارادته ، ذلك ان الاعتراف هو سلوك انسانى ، والقاعدة أنه لايعتبر سلوكا الا ما كان يجد مصدرا فى الارادة ، لما كان ذلك وكان الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره وليد ارادة منعدمه غير واعية وتحت تأثير المخدر هو دفاع جوهرى فى خصوصية هذه الدعوى وفق الصورة التى اعتنقتها المحكمة – يتضمن المطالبه الجازمة بتحقيقه عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعى – ولا يقدح فى هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة ، وكان المطعون فيه قد استند – من بين ما اسند اليه فى ادانة الطاعن الى اعترافه واكتفى على السياق المتقدم – بالرد على الدفع بما لا يواجهه وينحسم به أمره ويستقيم به اطراحه ودون ان يعنى بتحقيق هذا الدفاع عن طريق المختص فنيا فإن الحكم فوق قصوره يكون منطويا على الاخلال بحق الدفاع بما يعنيه.
( الطعن رقم 9367 لسنة 65 ق جلسة 21/7/1997 )
أنه من المقرر ان المرض العقلى الذى يوصف بانه جنون او عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانونا – على ما تقضى به الماده 62 من قانون العقوبات – هو ذلك المرض الذى من شانه ان يعدم الشعور والادراك ، اما سائر الاحوال النفسيه التى تفقد الشخص شعوره وادراكه فلا تعد سببا لانعدام المسئوليه ، فان ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه اخذا بتقرير الطبيب الشرعى ان مرض الطاعن وهو الاضطراب العصبى والهبوط العام لا يؤثر على سلامة عقله وصحة ادراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذى وقع منه يكون صحيحا فى القانون.
( نقض 600 سنة 62ق جلسة 22 ديسمبر 1993).
ثالثا: أن يكون الاعتراف قضائيا
الاعتراف القضائى هو الذى يصدر من المتهم أمام احدى الجهات القضائية أى يصدر امام المحكمة أو قضاء التحقيق. وهذا الاعتراف يكفى ولو كان هو الدليل الوحيد فى الدعوى لتسبيب حكم الادانه مادامت قد توافرت شروط صحته.
أما الاعتراف غير القضائى فهو الذى يصدر أمام جهة أخرى غير جهات القضاء ، ومثال ذلك ماقد يرد ذكره فى التحقيقات نقلا عن أقوال منسوبة الى المتهم خارج مجلس القضاء أمام الشهود مثلا أو فى محرر صادر منه او فى محضر جمع الاستدلالات أو فى تحقيق ادارى. وليس هناك مايمنع من أن يكون هذا الاعتراف سببا للحكم بالادانه لأنه لا يخرج عن كونه دليلا فى الدعوى يخضع لتقدير القاضى كباقى الأدلة ولكن قيمته فى الاقناع تتوقف على الثقة فى السلطة التى صدر أمامها الاعتراف أو على ما لشهادة الشاهد الذى نقله من قيمة فيه أو قيمة المحضر أو الورقة التى دون فيها. ويلاحظ ان هذا الاعتراف لايصلح على اية حال لأن يكون سببا فى عدم سماع الشهود طبقا للمادة رقم 271 اجراءات.
وفى هذا تقول محكمة النقض
لما كان البين مما اورده الحكم المطعون فيه ان المحكمه قدرت فى حدود سلطتها التقديريه ان الاعتراف الذى صدر من الطاعن امام النيابه العامه فى اليوم التالى لضبطه وفى غير حضور اى من مامورى الضبط القضائى كان دليلا مستقلا عن الاجراءات السابقه عليه ومنبت الصله بها واطمأنت الى صحته وسلامته والتفتت عن عدول الطاعن عن هذا الاعتراف بجلسة المحاكمة فان النعى على الحكم بدعوى القصور فى هذا الصدد يكون على غير اساس ، واذ كان الحكم المطعون فيه قد عول فى ادانة الطاعن على اعترافه باحراز المخدر المضبوط ولم يستند فى ذلك الى واقعة ضبط هذا المخدر فان النعى بخلوه من بيان تلك الواقعة يكون فى غير محله.
( نقض 348 سنة 60 ق 11 ابريل سنة 1991).