تعتبر ظاهرة العنف ظاهرة ناتجة عن مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية، الاقتصادية والسياسية ،وهي من الظواهر التي عمت مجتمعات عديدة في الآونة الأخيرة ، لها آثار سلبية على المجتمع ، وعلى مؤسسات المجتمع المدني ، كما تشكل عائقا في تحقيق التنمية ،و تصل إلى تهديد استقرار الدولة وتمس بسيادتها وبمكانتها أمام باقي الأمم،
ومهما كانت أو تعددت الأسباب الدافعة إلى استخدام هذا السلوك الشائع في مناطق التجمعات السكانية، باللجوء إلى القوة والضغط المادي والمعنوي لتحقيق غايات بعض الأفراد و بأسلوب غير شرعي فانه من ضروري التوقف عند هذه الظاهرة ،وضبط خلفياتها ونتائجها على مجتمعنا -فمن خلال هذا المقال، نسعى إلى توضيح أهمية معالجة ظاهرة العنف
وتحديد طرق انتشارها في المجتمع وربط خلفيات هذه الظاهرة السلبية بالجانب الاقتصادي ،الثقافي والإعلامي لنظام العولمة ، وإبراز البعد السوسيولوجي لهذه الأبعاد الثلاثة ، وتوضيح آثارها على البنية الاجتماعية لهذا المجتمع .
هناك الكثير ممن يرون بان الاهتمام بحاجات الطفل أمر لابد منه لخلق أجيال صحيحة، (لا شك في ان فهم واحترام حاجات الطفل وطرق إشباعها يضيف إلى قدرتنا على مساعدته للوصول إلى أفضل مستوى للنمو والتوافق النفسي والصحة النفسية) ، نشا الطفل العربي على القيم العربية الأصيلة المتمثلة بمبادئ التهذيب الصحيح، سبب حقيقي لسرور وسعادة المجتمع العربي، أما إذا ساءت تربية الطفل العربي أو حرم من ذلك التهذيب
فانه سيكون من المؤكد وجود تعاسة على الكثير من أفراد مجتمعنا العربي، لذلك اعددنا هذا البحث مستهدفين معاونة عن المسئولين على البيئة الفكرية للطفل العربي في تحصين الأطفال من مخاطر العنف أو الجريمة التي يمكن أن تنعكس على الطفل من خلال انعكاسات العولمة التي هيمنت على الأعمال الدرامية بشكل كبير،
فلقد توغلت العولمة في جوانب متعددة الأوجه ذلك لأن العولمة شملت الأصعدة كافة على الرغم من إنها تسعى إلى ثقافة محددة في نشر أهدافها، حيث أنها دخلت المجال الاقتصادي والمجال السياسي والمجال الاجتماعي والرياضي والفني والثقافي و مجالات أخرى وهي المجالات التي تؤثر بشكل أو بآخر على البيئة الفكرية للطفل العربي.
إن موضوع هذا البحث سيحاول أن يتوغل في الأسباب والكيفيات التي تسعى العولمة لها في غرس المضامين والتي انعكست في جملة من المظاهر الخاصة بالعولمة، حيث ستتبنى هذه الدراسة تلك المظاهر مؤكدة على ظاهرة العنف بغية إيجاد علاقة صريحة مع العنف في العمل الدرامي الذي يظهر على شاشات القنوات المحلية والفضائيات العربية، فهناك ارتباط قد يكون خفيا لغير المختصين بين المضمون الخاص بالأعمال الدرامية والعنف كمظهر من مظاهر العولمة، ومن ثم هناك علاقة بين مضامين العولمة ومضامين البث التلفزيوني الفضائي، أوجد هذه العلاقة أو الارتباط المستفيد من العولمة، وفي الوقت نفس هناك من يسعى إلى إلغاء هذا الارتباط لتحصين متلقيه من إفرازات العولمة بغية الحفاظ على سلامة ما هو موروث من ثقافة وتقاليد.
و مع تعدد القنوات المحلية والقنوات الفضائية العربية اعتمدت العديد من القنوت التلفزيونية الأعمال الدرامية الأجنبية الموجهة للأطفال وخصوصا الأمريكية منها مواد رئيسية في مناهج البث التلفزيوني، فلوحظ ان أكثر البرامج الموجهة للطفل العربي هي من صلب الإنتاج الأمريكي ولوحظ أيضا ان البرامج العربية الدرامية كثيرا ما تعتمد الشكل والمضمون الأمريكي في برامجها وهو الأمر الذي جعل البرامج الموجهة للطفل تحمل أفكارا ومضامين انعكست على الطفل العربي بصورة واضحة وصريحة، لذا فأن موضوع البحث سيعتمد التساؤل التالي كمشكلة البحث وهو
(هل تتوافر مظاهر للعنف في الأعمال الدرامية السينمائية والتلفزيونية الموجهة للطفل العربي؟ وكيف؟).لو شئنا وضع عنوان للمرحلة التي نعيشها منذ انبلاج فجر القرن الحادي والعشرين لاخترنا بدون تردد عنوان (عولمة العنف أو عمى البصائر) وهي حلقة نكاد نقول طبيعية من حلقات مسلسل العولمة الاقتصادية والعولمة البيئية و العولمة الوبائية والعولمة الرقمية و العولمة الثقافية…وصولا إلى زوال الحدود أمام العنف و القتل والإرهاب.
عالم اليوم عالم مفتوح يعيش مرحلة مخاض عسير لا نعرف ماهية الجنين الذي سيولد من أرحام عصرنا الحاضر هل هو مولود سوي أم مولود مشوه أم مولود ميت ؟ إن الذي حدث في قلب عاصمة فرنسا ليلة الجمعة الماضي هو تأكيد لهذه النظرية وترسيخ لهذا الواقع: الإنسانية كلها على أعتاب عصر جديد ربما تسرع بعض السياسيين و سماه عصر الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب (مثل بوتين و أوباما) و ربما تجرأ البعض الآخر فوصفه بعصر نهاية التاريخ و سيادة الليبرالية (مثل فرنسيس فوكوياما) و نعته البعض الثالث بأنه عصر صدام الحضارات (مثل صامويل هنتنجتن)
و لكني أميل إلى تعريف رابع غفل عنه أغلب الخبراء وهو أننا نعيش عصر العمى السياسي و غياب البصيرة الحضارية مما جعلنا نعمى عن حقائق ساطعة لا نراها و لا نعتبر بالتاريخ فتستمر الفواجع و يطل علينا ليل طويل من الويلات والكوارث. وهو ما أبدع في تأكيده رئيس الحكومة الفرنسي الأسبق (دومينيك دو فيلبان) بعد الاعتداءات.
نظرية العمى أصدرها صاحبها المؤرخ الفرنسي الشهير (مارك فيرو) في كتاب نشرته مؤسسة (تايلندييه) الباريسية منذ أسابيع قليلة و بادرت بمطالعته و عنوانه هو:L›aveuglement:une autre histoire de notre monde و ترجمته هي (العمى . تاريخ مختلف لعالمنا) يقول (مارك فيرو) نحن عميان كما كنا و أصبحنا نعيش في عالم بلا حدود رغم ما ابتكرته الدول من جدران عالية و من خنادق عميقة و من أسلاك مكهربة بقصد التمترس بغاية انعزالها عن مصائب الدنيا !
فالكمبيوتر العادي أو الهاتف الذكي الذي بين يديك يضعك آليا وآنيا في دوامة أحداث العالم لحظة بلحظة ويجعلك أنت نفسك متفاعلا مع تلك الأحداث بفداحتها ومعلقا عليها ومستقبلا لآخر مستجداتها بل و موزعا نشيطا لها على ذويك و أصحابك وآلاف المجهولين المتفاعلين معك ! وهو ما حدث كامل ليلة الجمعة الماضي إلى فجر السبت انطلاقا من العمل الإرهابي في قلب باريس ! فكيف و الحالة هذه ننجو من اختراق العنف لأخص خواصنا ؟
أنا نفسي ليلة السبت الماضي عند سماعي أخبار القتل في ثلاثة مواقع باريسية بادرت إلى الهاتف الجوال أسأل عن أخبار أولادي الأربعة وهم يعيشون في ضواحي باريس (نتيجة المنفى القسري الذي فرضته عليَّ و على الآلاف دولة طاغية جهولة سنة 1986 في مرحلة خرف الزعيم بورقيبة) لأطمئن على أولادي هل هم في بيوتهم ام أن أحدهم كان في ملعب (سان دوني) أو مسرح (باتاكلان) وهي عاطفة الأبوة الغريزية وقد تحركت بعفوية لتطمئن على فلذات الأكباد مهما كبروا! ثم هو تصرف ناجم عن إيماني بأن لا أحد يمكن أن يكون في مأمن أمين من الإرهاب مهما كان بعده عن السياسة فالعنف أصبح أعمى (مثل عمى البصائر عن العدل و الحق)
أينما مورس واستوى الحال أن يموت أبرياء يشاهدون مقابلة كرة قدم بين فرنسا وألمانيا أو أبرياء في ضواحي حلب أو الحلة أو ريف إدلب دكت البراميل المتفجرة أو القنابل الروسية أو الأمريكية أو الفرنسية أو البريطانية بيوتهم فوق رؤوسهم و رؤوس أطفالهم ! هؤلاء جميعا أبرياء بنفس المستوى وبنفس البراءة و يستحقون نفس الرحمة
. هذا هو عنوان العهد الجديد : عولمة القتل بلا حدود و بلا غاية و بلا عقيدة و بلا أخلاق. أي في النهاية عولمة عمياء و جائرة و أملنا هو ألا تكتفي دول ما نسميه المجتمع الدولي بمعالجات أمنية متسرعة وهي ضرورية بالطبع لكن معالجة جذور الإرهاب على المدى الطويل تكمن في تحقيق الإصلاحات الكبرى والاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها و التنعم بالحرية و تقاسم ثمار التقدم و هذا لن يتحقق إلا بتعديل النظام العالمي الظالم….و الأعمى. و لله الأمر من قبل ومن بعد و لله ترجع المصائر وهو القادر على فتح البصائر.