الدكتورة نهلة طبيبة شابة وباحثة دؤوبة، عمرها 29 عاما، مولودة ومقيمة فى كندا، لها حساب نشط على موقع ” تيك توك” يتابعه آلاف المهتمين عبر شبكة الإنترنت، مؤخر عرضت بحثا علميا توصلت من خلاله إلى نتائج مهمة، وتمنت أن يقوم طلبة وطالبات كليات الطب بمناقشتها فيما توصلت إليه .
بالفعل دخل عدد كبير من طلبة كليات الطب لمشاهدة الفيديو الخاص بها، لكن مداخلاتهم وأسئلتهم التى وجهوها للباحثة الشابة جاءت فى غاية الإثارة والغرابة، ومنها على سبيل المثال:
ــ إنت إزاى عمرك 29 سنة يادكتورة ولسة مااتجوزتيش لغاية دالوقتى؟!
ــ إنت ازاى محجبة وحاطة ” ميك آب ” ؟!
ــ الست مكانها المطبخ !!
ــ أنا عايش وحدى بقالى 4 سنين ومحتاج ” ماما ” تعمل لى أكل وتخدمنى، وده دليل إن المطبخ للست مش للراجل .
ــ إنت ازاى مكتفية بإنك تعيشى وحدك ؟!
ــ مش هاتلاقى راجل يرضى بواحدة عارفة تعيش وحدها .
ــ بكرة تيجى تعيطى وعمرك 45 سنة وانت لسة ما اتجوزتيش .
ــ إنت مغرورة ومستخسرة نفسك تتشاركى فى الحياة مع إنسان .
ــ الحقى نفسك واقعدى فى البيت وخلفى شوية عيال ينفعوكى لما تكبرى .
ــ إنت نموذج سيء ومحرض على العنوسة !
ــ الست من غير راجل زى الورقة من غير شجرة !
ــ تاريخ صلاحيتك هينتهى بعد 3 سنوات .
ــ الست من غير أولاد مالهاش قيمة فى المجتمع !
ــ وأخيرا زف أحدهم لها البشرى : إنت كده كده محدش حيبصلك وانت عمرك 29 سنة خليكى فى أبحاثك بقى .
ــ الغريب أيضا أن تعليقات الطالبات جاءت متوافقة مع تعليقات الطلبة وموافقة عليها، وهو ما جعل الباحثة المسكينة تكاد تفقد عقلها .
هذه الحكاية البائسة نقلتها كما هى ( طبق الأصل ) من صفحة الزميلة الصحفية الأديبة حورية عبيدة، التى أخذتها بلغتها العامية من صفحة الدكتورة نهلة، وهى كافية جدا للكشف عن حالة شبابنا الذى يعانى من ردة ثقافية وحضارية مخيفة، يجب أن تستنفر كل وطنى غيور على هذا الوطن ومستقبله .
هؤلاء الشباب والشابات لم يناقشوا الدكتورة الباحثة فى بحثها، ولم يبدوا أى اهتمام بالنتائج التى توصلت إليها، وربما لم يكترثوا حتى بمستواها العلمى، بل ذهبوا بها إلى منطقة أخرى ليس لهم الحق من الأساس أن يذهبوا إليها، وأشبعوها تنمرا وسخرية، وهم فى ذلك إنما يثبتون عجزا شنيعا فى مواجهة العلم، وتخلفا بشعا فى التعاطى مع ما حققته المرأة فى وطننا وفى كل أنحاء العالم من مكانة لا يجحدها إلا جاهل، فقد صارت وزيرة وزعيمة سياسية وقاضية وأستاذة جامعية وعالمة فذة وطبيبة وصحفية وأديبة ومفكرة ومؤلفة ومحامية وضابطة، وأثبتت كفاءتها فى كل المجالات، ولم تعد أقل من الرجل فى شيء .
ترى .. ما سبب هذه الردة الحضارية التى أصابت المستوى الأرقى من شبابنا، طلاب وطالبات كليات الطب الذين من المفترض أنهم أكثر الشباب تفوقا فى تحصيل العلم ؟ كيف تجاهلوا منجز الدكتورة نهلة ولم بروا فيها إلا أنها لم تتزوج، وأنها محجبة وتضع ” ميك آب ” ؟!
هل يمكن أن يكون السبب فى ذلك حالة من الإحباط العام نتيجة التقلبات الاقتصادية ؟ أم التعليم المتدهور وأزماته المتلاحقة ؟ أم الإعلام السطحى والأفلام والمسلسلات التى لاتقدم إلا نموذج المرأة ” الجسد ” الخائنة اللعوب، ولا تهتم بنموذج المرأة العالمة العاملة الناجحة ؟ أم الخطاب الثقافى المتفلت، الذى تفرغ للتشكيك فى الثوابت للهروب من الحاضر وتعقيداته ؟ أم الخطاب الدينى المتخلف، الذى أهمل القضايا الكبرى وصار يركز على توافه الأمور وسفاسفها، ويختلق معارك وهمية مع التراث لتشويه الهوية واغتيالها لحساب مشاريع تغريبية آتية من وراء الحدود ؟ أم يكون السبب هذه العناصر مجتمعة ؟