إن منطقة الشرق الأوسط من المناطق التي تتمتع بأهمية إستراتيجية بالغة، سواء من حيث موقعها الجغرافي أم من حيث أهميتها الاقتصادية، فهي أكثر الأقاليم في العالم تنوعا وسرعة في التغير، وقد شهدت هذه المنطقة حروبا كبيرة، وصراعات دولية وإقليمية مستمرة بلا توقف وبلا استقرار. ولهذا فإن إقليم الشرق الأوسط كبير بأحداثه، وخطير بأهميته بعد أن أصبح محور وبؤرة كل السياسات والاستراتيجيات والصراعات العالمية للغرب والشرق جميعا بلا تحفظ ولا استثناء. وإن التفسير العلمي لأحداث الشرق الأوسط، إنما يأتي منسجما مع إستراتيجية التوازن لقوى إقليمية ودولية أحداهما في منطقة الخليج العربي، وأخرى على حافات الوطن العربي التي تشكل كل منها مثلثات قوة متعددة.. وبنفس الطريقة التي تتركز فيها أشعة الشمس على مساحة صغيرة بزجاج محترق ، فإن تحليل توازن القوى المتغير في المنطقة منذ أواخر القرن التاسع عشر، ودلالاتها على الصراعات والأزمات العربية لابد أن يجرى من خلال ثلاثة عناصر أساسية وهي: الأول: يحلل حالة توازن القوى في الإقليم، سواء من جهة توازنات القوى المادية (عسكرية واقتصادية (أو من جهة توازنات المصالح واختلاف أولويات الأمن بين دول الإقليم الأساسية (العربية وغير العربية). والثاني: يعرض للسمات العاملة لتداخل التحالفات الإقليمية مع أدوار القوى الدولية في صراعات منطقة الشرق الأوسط. أما القسم الثالث: فيقدم تحليلاً لدلالات توازنات القوى الإقليمية والدولية على أزمات المنطقة العربية بالتركيز على التطورات الحديثة في الأزمات في كل من اليمن وسوريا وليبيا، إلى جانب تقييم لمقترح تأسيس التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط ودوره المتوقع من جانب بعض الدول العربية في إدارة هذه الأزمات. ومع التسليم بوجود توافقات بين القوى العربية الرئيسية على المخاطر والتحديات التي تواجهها المنطقة العربية ،فإن هناك تباينا في الأولويات مما يحد من وجود مساحة للعمل المشترك لمواجهة تلك التحديات. والثانية: إن ما يضفي حالة من التعقيد على واقع توازن القوى الإقليمي حالة الصراع والتنافس الدولي الراهنة التي تشهدها المنطقة وتقدم الأزمة السورية نموذجاً واضحاً على ذلك، بالإضافة إلى دعم بعض القوى الإقليمية للجماعات المسلحة دون الدول التي تستهدف هدم كيان الدولة الوطنية الموحدة. والثالثة: مع أن التباين في الأولويات الأمنية والمصالح السياسية له تأثير سلبي على إمكانية وجود عمل إقليمي مشترك فإن للنواحي الاقتصادية والديمجرافية تأثير لا يقل أهمية عن تلك العوامل..وبإدراك حقيقى ومتعمق لكل الحقائق المتعلقة أو حتى المتماسة مع استراتيجية توازن القوى ،من شأنه إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط بعيداً عن التدخلات العسكرية.
عميد كلية الآداب جامعة قناة السويس