حينما يكون الحق والحرية هما أساس البناء الاقتصادى فى المجتمع تنتفى عنه العيوب الخطرة وتتوارى بعيداً عنه .. والملكية فى الإسلام ليست إلا استخلافاً .. وحق الله فيها أظهر من أن يحجبه ما أعطاه للإنسان من حق عليها .. ولذا كانت الملكية بالنسبة للإنسان حقاً فى الانتفاع أكثر منها حقاً فى التملك … ولكن لما كان حق الإنسان فى الانتفاع – كما قرره الإسلام – حقاً مطلقاً : به يجوز الشىء وبه يتصرف فيه تصرف المالك .. أمكن اعتباره – تجاوزاً – حقاً فى الملكية .. وقد أخذ القرآن الكريم بهذا الاعتبار أيضاً حين نسب المال إلى البشر ولم ينسبه إلى الله حيث يقول : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ( لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ) ( خذ من أموالهم صدقة ) ( وفى أموالهم حق للسائل والمحروم ) . والقرآن الكريم أيضاً ينبه الناس فى كثير من المواضع على أن مافى أيديهم من المال ليس ملكاً خالصاً لله استخلفهم فيه إذ يقول : ( وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ) . والإسلام إذ قرر للإنسان حق الانتفاع بالمال وسماه على سبيل التجوز تملكا ربط وسائل هذا التملك بالحلال والحرام ، فحلل طيبها وحرم خبيثها .. وأطيب وسائل كسب المال عمل الرجل بيده .. وقد فرض الإسلام العمل وجعله واجباً تكليفيا .. فلا يجوز للقادر عليه أن يعيش كلاً على الناس ويسألهم أن يطعموه .. ومن هذا يتضح أن الإسلام قد عالج المشاكل الإنسانية معالجة حكيمة حصيفة .. فلم يدع للحرية الفردية أن تطغى على مصلحة المجتمع ، كما لم يترك لسيطرة المجتمع أن تحد من حرية الفرد وكرامته . وهو فى نفس الوقت لم يتخل عن تحقيق العدالة والمساواة .. والكيفية التى حقق بها الإسلام كل هذا النجاح فى حل القضايا الإنسانية يجب أن تظل على الدوام محل عناية .. وانقسم الشطر الأكبر من سكان هذا العالم إلى معسكرين اخترع كل منهما لنفسه طريقة للحكم ، ونظاماً اجتماعياً ونهجاً اقتصادياً خاصاً به ، وظن كل فريق أن ابتكاراته كفيلة أن تصل به إلى النجاح والسعادة ، وادعى كل منهما لنفسه حق القوامة على الآخر فتغاضياً عن إمكانية التعايش وراحا يتنابذان بل يتناحران باسم الديمقراطية وباسم الحرية وباسم العدالة وباسم المساواة . وفى الحقيقة أن كلاً من هذين النظامين قد خلا من الديمقراطية الحقة ومن الحرية الحقة ومن العدالة الحقة ومن المساواة الحقة ، بل فى كليهما ضاعت كرامة الإنسان وأهدرت حريته وتعطلت حقوقه .. وليس فى هذا الضجيج إلا الشعارات الجوفاء والألفاظ التى فقدت مدلولاتها الصحيحة .. وفى وسط هذا كله يوشك هذا التناحر المذهبى الذى يدور على شكل حرب باردة – أن يتطور إلى حرب ساخنة فى عصر بلغ فيه العلم تقدماً كبيراً فى السيطرة على قوى الطبيعة الهائلة .. ومنح كلا من المعسكرين طاقات ضخمة جبارة ، ومضى كل معسكر يستغل هذه القوى الهائلة والطاقات الجبارة فى تهديد الآخر ، بل وكرس كل جهوده فى الاستعداد لتدمير منافسه وإفنائه ..بدلا من الاستعانة بها على توفير الرخاء والهناء للشعوب المضناة المكدودة القلقة المرتاعة .. وهذه القوى الهائلة الجبارة وقد استغلت على هذا النحو السيىء أصبحت خطراً رهيباً مفزعاً ، لأنها جديرة بإهلاك العالم وفناء الحياة من فوق سطح الكرة الأرضية كلها .