كان يوما من أشد أيامنا حزنا، حين شب الحريق فى كنيسة ” أبوسيفين ” بامبابة يوم الأحد الماضى بسبب ماس كهربائى، وأودى بحياة 41 شخصا بينهم 15 طفلا أبرياء، لم يكن الحادث عاديا، بل كان كارثة بشعة، اختلطت فيها مشاعر الحزن والغضب مع مشاعر التعاطف والتلاحم بين المصريين، الذين كانوا على قلب رجل واحد فى أتم صورة للوحدة الوطنية، يتبادلون العزاء والمواساة، فالمصاب الجلل مصابهم جميعا، مسلمين ومسيحيين، والألم الذى يعتصر القلوب ألم واحد، لا يفرق بين إخوة الوطن .
ورغم محاولات هواة الصيد فى الماء العكر لإثارة الفتنة فى ذلك اليوم الحزين إلا أن ألاعيبهم باءت بالفشل أمام وحدة المصريين ووعيهم، فقد قوبل خطابهم التشكيكى التحريضى بالرفض والسخرية، وهو درس لن ينساه هؤلاء المشاغبون أبدا، ولن يكرروا محاولاتهم السخيفة للوقيعة بين أبناء الوطن الواحد .
وبعد أن هدأت الأعصاب المشدودة، وذهب الغضب وخف الحزن بمرور أسبوع على الحادث الأليم، صار واجبا أن يتجه تفكيرنا جميعا إلى الرد على السؤال الأهم : ماذا علينا أن نفعل حتى لايتكرر حريق الكنيسة، وحتى نتجنب وقوع مثل هذه الكارثة فى كنيسة أخرى أو فى مسجد، أو فى أى مبنى عام، بسبب ماس كهربائى ؟
فى المقام الأول لابد من مراجعة شاملة لإجراءات الأمان والسلامة فى جميع المرافق العامة والمؤسسات، كالمساجد والكنائس والمدارس والمصالح الحكومية والمسنتشفيات والمصانع والشركات والمنشآت والعمارات المزدحمة بالسكان، وذلك لضمان الالتزام باشتراطات البناء والصيانة، خصوصا أن قوانين البناء توجب الالتزام بإجراءات الحماية المدنية، وتركيب أجهزة إنذار وإطفاء الحريق وغيرها، وعدم تواجد مواد قابلة للاشتعال فى أماكن التجمعات الكثيفة، ولابد أن تكون هذه المراجعة مستمرة بشكل دورى، مع تدريب وتأهيل حراس هذه المنشآت على كيفية التعامل السريع مع الحريق فى لحظة اندلاعه الأولى .
وطبقا للقانون فإن مسئولية مراجعة اشنراطات البناء ومتابعة تدابير الحماية المدنية والصيانة اللازمة تقع على عاتق الأجهزة المحلية، التى من الواضح أنها ترهلت وتراخت كثيرا فى أداء مهامها خلال السنوات الطويلة الماضية، وآن لها أن تستيقظ من سباتها، وتتخلص من فسادها، وأن تحاسب عن تقاعسها وإهمالها أمام المؤسسات الرقابية الدستورية، ابتداء من مجلس النواب وانتهاء بالرقابة الإدارية والنيابة العامة .
وفى المقام الثانى علينا أن نأخذ بعين الجد تصريح البابا تواضروس عن كنيسة ” أبو سيفين “عقب الحريق الذى قال فيه : ” إن الكنيسة تقع على مساحة 120 مترا، وهذه المساحة تصلح لشقة سكنية لا لكنيسة، لذلك نطالب الجهات المسؤولة بالمشاركة فى توسعة الكنائس الضيقة، أو نقلها لمساحات أكبر لتناسب عدد المرتادين عليها “.
نعم .. هذا مطلب مهم وعادل، ويرتبط به أن تكون الأنشطة التى تقوم بها الكنيسة فى حدود إمكاناتها وقدراتها ومساحتها، ووفقا لما تسمح به طبيعة الموقع الذى أقيمت فيه، مع العلم بأن معظم الكنائس المقامة فى المناطق الشعبية الضيقة كانت فى الأصل منازل ثم تحولت إلى كنائس، ثم ألحقت بها أو أقيمت عليها طوابق تجاوزت اشتراطات البناء، مثلما يحدث فى الزوايا المقامة تحت المنازل، أو المصالح الحكومية الموجودة فى عمارات سكنية وتتعرض لنفس المخاطر .
من ثم يكون الحل ـ كما قال البابا ـ إما توسعة الكنيسة والكنائس المشابهة عن طريق شراء البنايات المحيطة بها بالتراضى مع أصحابها، أو نقلها لمساحات أكبر لتناسب عدد المرتادين عليها، أو نقل الأنشطة الاجتماعية والصحية والتعليمية التى تقوم بها إلى بنايات أخرى تابعة لها لمنع التكدس .
وفى المقام الثالث سيكون من الضرورى جدا إجراء مراجعة شاملة لإمكانات وقدرات المرافق العامة المرتبطة بالسلامة المدنية، مثل شبكات الكهرباء والمولدات الخاصة التى يلجأ إليها المواطنون فى حالة انقطاع التيار الكهربائى، وكذلك شبكات المياه ووجود مخارج جاهزة للاستخدام فى حالات الحريق، وأيضا مراجعة جاهزية مرفق المطافئ وإمكاناته وآليات عمله لضمان قدرته على التعامل مع الحرائق بأعلى كفاءة، وضمان وصوله إلى مكان الحادث فى أسرع وقت .
ويبقى قبل ذلك وبعده ضرورة توعية المسئولين عن أماكن العبادة والأماكن العامة والمواطنين جميعا على احترام القانون واللوائح والاشتراطات، والامتثال لها طواعية لضمان سلامة المبنى وسلامة الأشخاص الذين يترددون عليه، والتأكيد على أن أي تساهل أو إهمال أو تفلت من هذه الاشتراطات ليس شطارة، ولا قوة نفوذ، وإنما هو خيانة للأمانة وتعريض حياة الناس للخطر .
هذا أمر مهم جدا فى بنائنا الثقافى والعقلى يجب أن نعمل عليه ونؤكده باستمرار، حتى لا تحترق الكنيسة مرة أخرى، أو تحترق كنائس ومساجد ومرافق عامة، ويسقط المزيد من الأبرياء ضحايا للإهمال والتسيب .