من المفارقات العجيبة في الحديث عن الاسرة السعيدة الاصطدم بمعادلات غريبة في مقدمتها انهم يتهافتون على الزواج تحقيقا للسعادة ويسارعون الى الطلاق أيضا بحثا عن السعادة المفقودة وربما المزعومة او المستوحاة من عوالم الخيال!
ومن عجب أيضا محاولات البعض ان يجعل السعادة بقانون يفرضها او يهيئ لها الأرض ويفرشها ورودا وزهورا وان يجعل لها وزارة قيمة وقائمة عليها لعل وعسى.
ومن المفارقات المزعجة انه رغم التقدم والارتفاع في مستوى التعليم والثقافة –فرضا- وارتفاع مستوى المعيشة بين المتزوجين الا ان السعادة لا تزال شبحا بعيد المنال حتى كدنا نقترب من القول بان الزواج السعيد اصبح عملة نادرة..بدلا من ان تكون القاعدة العريضة هي الامن والاستقرار الاسري والعاطفي والمودة والسكينة والرحمة وغيرها من مقاصد شرعية سامية للزواج الحقيقي بعيدا عن زواج المصالح والصفقات إياها والمباهاة والفشخرة الكدابة..
لست متشائما ولكن الصورة قاتمة تكاد تكون سوداء وتشعرك دائما بالضيق خاصة مع قراءة احصائيات الطلاق ووقائع الانفصال الرسمي وغير الرسمي والذين وقعوا في غيابة جب الطلاق ومن ينتظرون على أحر من الجمر او من يقاومون لسع ووخز الاحتمال المهين والمقيت خضوعا لتقديرات وحسابات خوارزمية من اجل صغار رضع وبنات رتع وربما لضغوط وقيود اجتماعية عصيبة لا فكاك منها لعل وعسى ان يأتي الفرج او تصيبهم قارعة من السماء!
تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تكشف عن ارتفاع نسب الطلاق بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة فيما تتراجع معدلات الزواج ففي مطلع العام 2021 بلغ عدد عقود الزواج 66.7 ألف عقد خلال فبراير مقابل 69.4 ألف عقد خلال الشهر المناظر من العام السابق عليه بنسبة انخفاض 3.9 % خلال عام.
ووفقا لتقرير جهاز التعبئة والإحصاء فأن معدلات الطلاق شهدت ارتفاعا وصل إلى 20.6 ألف وثيقة طلاق خلال فبراير 2021 مقابل 18.4 ألف وثيقة طلاق خلال الشهر الذي سبقه بزيادة بلغت 12% خلال عام.
وكان عدد عقود الزواج قبل كورونا في الارتفاع وصل إلى 927844 عقدا عام 2019 مقابل 887315 عقدا عام 2018 بزيادة 4.6 في المائة بينما بلغ عدد وثائق الطلاق 225929 وثيقة عام 2019 مقابل 211554 وثيقة عام 2018 بزيادة 6.8 %.
وفي العام 2020 وصلت حالات الطلاق 213 ألف حالة بواقع حالة كل دقيقتين..
وتشير الوثائق أيضا الى ان أعلى نسبة طلاق كانت في الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 سنة حيث بلغ عدد الوثائق بها 46094 وثيقة بنسبة 20.4 % بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية من 18 إلى أقل من 20 سنة بلغ عدد الوثائق بها 441 وثيقة بنسبة 0.2 % من جملة الوثائق.وهو ما يؤكد ان معدلات الطلاق مرتفعة جدا!!
اذن نحن امام مشكلة حقيقية وأزمة حادة مزعجة ومقلقة أيضا تحتاج الى مواجهة جادة وعلمية أيضا ولا يصلح معها القول بان الجهات الفلانية اوالعلانية تدق ناقوس الخطر او ان تنتهز جهات مشبوهة او موبوءة الموقف وتتسلل لبث سمومها ومحاولة الترويج لأفكار شاذة وغريبة عن المجتمع وتخالف أيضا الشريعة الإسلامية تحت الشعارات إياها والاتهامات المعلبة سابقة التجهيز والتدمير.
بالتأكيد هناك رغبة وإرادة حقيقية لحل ازمة الطلاق والخروج منها ووضع حد للسقوط في هذا المستنقع الاسن المهين والمعيب خاصة في مجتمع يعرف بانه متدين بطبعه وحريص على التمسك بأهداب الدين.
احتدام ازمة الطلاق والتطليق بسبب ولغير سبب لا يجب ان يوقعنا في المحذور وارتكاب المحظور والقبول بما لايمكن قبوله عقلا او نقلا. فحل مشكلة الطلاق
لايكون باللعب بالزواج او التلاعب بالطلاق والمطلقين ووضعهم في طاحونة الدوامات اللامتناهية باسم حقوق المرأة حينا وحقوق الأطفال حينا وتأديب الأزواج او الوقوع في فخ التضييق على راغبي الزواج وسد الأبواب امام الشباب ودفعه الى استمراء حياة العزوبية خاصة عندما يرى الاهوال سواء قبل الزواج وعند الانفصال وهذه مسائل ابدع فيها المبتدعون بافكار جهنمية جعلت الزواج هما بالليل شقاء بالنهار فتكاليف الزواج وامكانيات الشباب مسألة شائكة وغاية في القسوة ولا يصلح معها حساب الاغلبية الساحقة من الشعب ولا حل لها الا بالاستدانة والدخول في زمرة الغارمين والغارمات..حتى اصبحنا امام المشهد الرهيب وسيق اهل المتزوجين والمتزوجات الى السجون زمرا حتى اذا جاءوها سألهم خزنتها: فيما كنتم .قالوا كنا في ثلاجة وبوتجاز وأطباق دش وبطانيات وشراشف للعرسان!
ورغم ان ارتفاع تكاليف الزواج واعتبارها مدا عارضا للسجون الا ان هناك أمورا اشد خطرا وأنكى مهملة دائما مع سبق الإصرار والترصد..في مقدمتها قضية الوعي العام بمسألة الزواج الحقيقي ومقاصده فهذا محور مهمل للغاية وان تنبهت اليه مؤخرا بعض الجهات والمؤسسات الدينية والاجتماعية وتحاول التعامل معه ولكن لا تزال الأمور على استحياء.
ومما يؤسف له انهم حين يتحدثون عن مشكلة الطلاق فلا احد يتحدث ازمة الزواج وهي الأصل الأصيل ..
أتذكر في محاضرة لى في مكتبة القاهرة عن الطلاق قلت ان الباب الملكي لحل مشكلة الطلاق هو حل معضلة الزواج أولا لتحقيق عدة اهداف في مقدمتها درء المفاسد وسد الذرائع وابواب الفتنة وتحجيم مصايد ومكايد الشيطان التي يمكن الولوج منها لتعكير صفو الحياة الزوجية والعبث في عش السعادة المرجو..
سألتني احدى السيدات بحرقة انهم في حيرة من امرهم لقد فعلوا كل شيئ يمكن تصوره لراحة الولد المتزوج والبنت المتزوجة ولكن بلا فائدة وانهم حاولوا منع الطلاق بلا فائدة أيضا؟!
كانت السيدة صادقة فيما تقول ونبرات صوتها تشي بان هناك وجعا حقيقيا ومأساة وهي من حيث لاتدري وضعت كل اصابعها على موطن الداء والخلل..
قلت لها: ربما لم يكن الاختيار صائبا او موفقا؟
فردت على الفور: كانوا بيحبوا بعض وميتين في الدباديب! هكذا قالت!!
قلت لها هذه هي المشكلة فما كان بينهما لم يكن حبا بقدر ما كان فورة عاطفية ونزوة شباب وربما طيش تحت وهم الحب..وهنا مربط الفرس لاننا لم نعلم ابناءنا الحب الحقيقي الحب الذي يبني ويؤسس لمستقبل واعد ويدفع للامام نحو الأهداف المنشودة لبناء اسرة مستقرة..وهذا يترك اثارا كبيرة ومؤلمة عند الوقوع في المصيدة الجهنمية ويضاعف من الامها حالة التدليل الزائد عن الحد للابناء حتى بعد ان يتخرجوا اذا يصر الإباء والامهات على عدم فطام الأبناء واخراجهم من الاحضان الدافئة الى عالم تحمل المسئولية ومواجهة الواقع والتعامل معه بافراحه واتراحه..
وقد ثبت ان من أسباب فشل كثير من الزيجات المعاصرة هو حالة عدم الاتزان العاطفي للمتزوجين حديثا خاصة الشباب المدلل فمع اول هبة ريح ولا نقول عاصفة يكون الهروب الى الطلاق والإصرار عليه وتحت وطأة التدليل المستمر وتحكم العناد تنهار اركان الاسرة وهي تبدأ أولى خطواتها نحو ما كانت تتوهم انه سعادة وسرعان ما يدخل الجميع في انفاق مظلمة من الهم والغم والنكد الوبيل!!( وللحديث بقايا )..
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com