لعل ناقدا ومفكرا مرموقا، وأستاذا أكاديميا فذا، لم يدرس تحولات المجتمع المصري، بدأب منهجي، مثلما درس صبري حافظ أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن.
ويمكن للمرء أن يستشهد في هذا المقام بأبحاثه ودراساته في مجال السرديات، دراسة الرواية والقصة القصيرة المصرية.
يتبنى حافظ، في دراساته التحليلية للعمل الأدبي، أثر التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية التي ولد العمل الأدبي من رحمها، وتطور بتطورها، وتحول بتحولها، وفي تقديري، أنه ينطلق من منهج لوسيان جولدمان، في البنيوية التوليدية التي ترى أن التحول في البنية الفنية للعمل الأدبي ناتج عن التحول في البنية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية بعامة، بالاضافة إلى تأثره بأفكار المنظر والناقد الروسي الكبير ميخائيل باختين، والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو.
وباستطاعة الدارس أن يرصد ملامح هذا المنهج في دراساته عن “تكوين الخطاب السردي العربي”، التي درس من خلالها تحولات الكتابة الفنية للقصة القصيرة في مصر، من منظور سوسيولوجي ثقافي، كاشفا عن الجدل المستمر بين النص والعالم من جهة، وعدم تبني أي تنظيرات جاهزة من جهة ثانية، وهو ما أشار إليه بقوله: وقد طرحت في هذا المجال نظرية مغايرة هي سوسيولوجيا تكوين الخطاب بالمعنى الثقافي والأركيولوجي، الذي يستمد كثيرا من مضمراته الفلسفية من ميخائيل باختين وميشيل فوكو في هذا المجال”(الفنون والأساطير في الرواية العربية، دار الينابيع، دمشق، ط١، ٢٠٠٨”، ص٢٢)، ودراسته عن الحداثة والتجسيد المكاني، التي درس من خلالها تحولات الكتابة الروائية وبنية المكان في رواية “مالك الحزين” للكاتب إبراهيم أصلان (الدراسة منشورة في مجلة فصول، مج ، عدد ٤، ١٩٨٤ )، والامر نفسه في دراسة عن “القطيعة الجمالية والمعرفية في رواية التسعينيات في مصر” التي حلل من خلالها ظاهرة الرواية الجديدة في مصر باعتبارها ظاهرة أدبية بالمعنيين الأدبي والسوسيولوجي الثقافي، وهو ما أطلق عليه “الظهار الاجتماعي ” Socialogical background(الدراسة منشورة ضمن كتاب”الرواية العربية في نهاية قرن، وزارة الثقافة، تونس، ٢٠٠٦، ص٢١ وما بعدها”) ، وينطبق ذلك أيضا على دراسته التي أعتبرها قريبة جدا، بل تكاد تعزف على الوتر السابق نفسه، وهي “تحولات الخطاب الروائي العربي..تبدل الجماليات وأفق التلقي”(منشورة ضمن كتاب الفنون والأساطير، مرجع سابق، ص ٢١ وما بعدها).
إن هذا التناول المنهجي لدراسة الأدب، يركز على الجانب المهم وهو علاقة النص كبنية فنية بالعالم، فحركية النص وبنياته مرتبطة بحركية العالم وتبدلاته، وهو ما يؤكد الحركة الدينامية المتبادلة بين العالم والنص، كما أطرها ادوارد سعيد في دراسته القيمة عن” العالم والنص والناقد”، وليس بالمنظورالنقدي القديم القائم على المحاكاة الاستاتيكية للواقع.
يمكن القول، بإيجاز، إن الدراسة النقدية التحليلية للنص، كما قدمها صبري حافظ، هي بمثابة تقليب للتحولات الاجتماعية/ الطبقية، الفكرية والسياسية، للمجتمع المصري، مع اهتمامها في الوقت نفسه، برصد تحولات البنية الفنية للعمل الأدبي، ولعل دراسته البديعة والمهمة، بالإضافة إلى ما أشرنا إليه سالفا، عن “الخصائص البنائية للأقصوصة” (منشورة بمجلة فصول، عدد ٤، ١٩٨٢) أن تكون خير مثال على ذلك.
الحلقة الثانية ستكون عن أثر ما بعد الحداثة في نقد صبري حافظ