إن ديننا الإسلامي هو دين التسامح والمحبة والسلام. وهو عقيدة قوية تضم جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية، والسلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءاً من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض.
الإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة ولا غرابة في أن كلمة الإسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «السلام قبل الكلام» وسبب ذلك أن السلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان وهو اسم من أسماء الله الحسنى.
يعتبر مفهوم بناء السلام من المفاهيم الابتكارية التي جيء بها خاصة في فترة ما بعد الحرب الباردة قصد معالجة الأسباب الجذرية للنزاع ومنع تجددها وإرساء دعائم السلام المستدام، ومن أجل تحقيق هذه الغاية يستوجب تبني استراتيجيات وآليات فعالة من طرف مختلف الأطراف سواء أكانت فوق دولاتية أو ضمن دولاتية، ومن بين تلك الاستراتيجيات تنفيذ برامج تنموية إنسانية هدفها منع الانتكاس والعودة للنزاع وحالة الحرب. ومن هذا المنطلق سنحاول من خلال هذه الدراسة تحديد طبيعة العلاقة بين التنمية الإنسانية وبناء السلام داخل مجتمعات ما بعد النزاع وتبيان دورها في إرساء دعائم السلام المستدام.
ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء سلاماً ورحمةً للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات الى النور حتى يصل الناس جميعاً إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة.
ومن المعروف أن العالم بأسره وخاصة العرب قد شهد حروبا كثيرة في زمن نشأة الرسول وقبل بعثته، فكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها أو مع القبائل الأخرى بسبب أو بدون سبب، وقد جاء الاسلام الحنيف ليخرج الناس من هذه الحياة السيئة والصعبة وينقلهم الى حيث الأمن والامان والسكينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على إبعاد الناس تماما عن الحروب وعن كل ما يؤدي إليها، وكان صلى الله عليه وسلم أيضا يبحث دائما عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له.
إقرار السلام لا يعني انتفاء الحرب تماماً، بل إن الحرب وضعت في الشريعة لإقرار السلام وحمايته من المعتدين عليه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين المؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله، والله هو السلام، وأمرهم بأن يقاتلوا المعتدين وينصروا المعتدى عليهم الآمنين المسالمين.
إن السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الأرض، فالسلام يشمل أمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن وجد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب. وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عدة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يشكل للمسلمين قانوناً دولياً يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يُقرِّر أنَّ الناسَ، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية، ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى».
كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب إلا للضرورة وإقامة العدل والأنصاف، ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحدٌ على حق أحدٍ، ولا يظلم أحدٌ أحدًا، فالإسلام يسعى دائما إلى استقرار الأمة الإسلامية، كما يستعى إلى استقرار علاقات المسلمين بالأمم الأخرى.
إن أثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي يتجلى في تعزيز التعايش السلمي وإشاعة التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية في ذلك.
إن للسلام العالمي شأناً عظيماً في الإسلام، فما كان أمراً شخصياً ولا هدفاً قومياً أو وطنياً بل كان عالميا وشموليا، فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً، فالمولى عز وجل عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضا، فالإسلام يدعو إلى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الأرض، ويكشف لنا التاريخ أن جميع الحضارات كانت تواقة من أجل تحقيق السلام العالمي.
السلام ضرورة حضارية طرحها الإسلام منذ قرون عديدة من الزمن باعتباره ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية ابتداء من الفرد وانتهاءً بالعالم أجمع فبه يتأسس ويتطور المجتمع. وقد حان الوقت لنقف على عتبات المجتمع الدولي ونقود أجيالنا إلى لغة الحوار ونصرخ بصوت عال لا للحروب لا للإرهاب لا للقتل لا للدمار ولا للعنف.
يعتبر السلام شرطا من شروط التعايش بين البشرية جمعاء كونه ينقض صفات العنف والكراهية والخصام التي تخلق الحروب الإنسانية، وقد تطور مفهوم السلام عبر التاريخ الإنساني من العشيرة إلى المجتمع القبلي إلى المجتمع المدني العصري؛ حيث توضع المواثيق والعهود للتفاهم والتنسيق في كل العلاقات البشرية في مجالات عدة كالسفريات والرحلات والتجارة، ولما تطور المجتمع وصار على شكله الحضاري العصري نشأت جمعيات دولية ومنظمات حكومية وعالمية على رأسها هيئة الأمم المتحدة لتعزيز دور السلام الاجتماعي ونبذ الخلاف والنزاعات الدولية، وأصبح السلام مطلبا عالميا حتميا لتحقيق التعايش الدولي والصداقة بين الشعوب وضمان مبدأ الحرية للجميع ونشر قيم التعايش والتسامح بين أفراد البشر على اختلاف أعراقهم وأشكالهم وألوانهم في شتى المجتمعات.
فما هو إذن السلام الاجتماعي؟ وما هي خصائصه؟ وما هي مقومات ومضامين بنائه ؟
1- التعريف بالسلام الاجتماعي.
السلام الاجتماعي يعني غياب كل مظاهر العنف والقهر والخوف في المجتمع، والسلام لا يعني فقط غياب الحرب كما أنه ليس فقط ظاهرة سياسية، ولكنه يعبر عن عملية اجتماعية لها العديد من المستويات، والتي تتضمن السلام على مستوى العائلة، وعلى مستوى المجتمع، ثم على المستوى الإقليمي والدولي أيضا، كما يتناول أيضا السلام الداخلي، أي السلام مع النفس، وهذا النوع ضروري من أجل خلق عالم سلمي، فالسلام الاجتماعي إذا هو حالة من الوئام والمصالحة بين جميع المكونات السكانية، والقوى الاجتماعية بين البوادي والحواضر
2- خصائص السلام الاجتماعي
ثمة خصائص عامة يتمتع بها السلام الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية، لا سيما تلك التي تتسم بصفة المجتمعات المركبة، وهي تتمثل في:
·كون المجتمعات المركبة، التي تتوزع فيها شرائح المجتمع إلى فئات متنوعة قوميا وإثنيا ودينيا، تشكل وحدة قياس لتقييم وتشخيص حالة العلاقات الداخلية للمجتمع ذاته.
·كون الثقافة السائدة في المجتمعات تؤدي دورا بارزا في الدفع باتجاه الاندماج القومي من عدمه، ذلك أن المفاهيم الأساسية من قبيل الانتماء والمواطنة تعد حجر الزاوية ضمن أساس البنيان المبتغى للمجتمعات المتماسكة.
·كون الاستقرار السياسي الاقتصادي السائد في الدولة، ركنا مهما من أركان وخصائص المجتمعات الهادئة التي تتكرس فيها حالة السلم المجتمعي، إضافة إلى ارتكازها إلى قوة القانون، والنظام، والضبط العام.
كون التركيبة الأساسية للمجتمع، ونوعية التراتبية السائدة فيه أفقيا تؤدي دورا بارزا في تحديد أبعاد الدور الناتج عنه، ونطاق الأفعال في تقرير مدى تدعيم ظاهرة السلم المجتمعي فيه من عدمها.
·كون التنشئة الاجتماعية للفرد ضمن البيئة الاجتماعية المصغرة “الأسرة”، تعد الحلقة الأولى للدفع بالبنيان المجتمعي نحو الاتجاه المُحبذ في إيجابيتها،
والعكس صحيح.
·كون التعليم ومخرجاته من الوعي الإدراكي، أحد أهم الدوال التي تفضي مخرجاتها إلى تدعيم المجتمعات، وتشكيل بنى هيكلية تحتية يصعب انهيارها بتأثيرات مضادة
وهذه الخاصية، تؤكد أن التعليم يؤدي دورا جوهريا في تحقيق درجة عالية من التعافي الاجتماعي، وكسر دائرة الصراع في الدول التي تعاني من الحروب والتمزقات الأهلية العميقة.
وبما أن السلام الاجتماعي يرتبط بشكل كبير بالسياسات والاتجاهات التي تتخذها الحكومات سواء تلك المتعلقة بإدارة الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة، فإن إجراء إصلاحات تعليمية بغرض تحقيق درجة عالية من السلام والتوافق الاجتماعي هي إجراءات سياسية بالدرجة الأولى.
ومن الخطورة بمكان أن تجري هذه الإصلاحات على المستوى السياسي البحت أو أن تعبر عن اتجاهات سياسية معينة لحزب معين أو لطرف سياسي دون آخر، لأن ذلك يمكن أن يولد المزيد من العنف بدلا من تحقيق الاستقرار والسلام. لكن على النقيض من ذلك، يمكن للسياسات التعليمية توليد المزيد من الانشقاقات والتصدعات داخل النسيج الاجتماعي، فهو كالسلاح ذي الحدين وذلك لأن التعليم مرتبط ب:
•تشكيل الهوية والتنمية الثقافية وديمومة المجتمعات.
•إعادة توزيع الموارد على مستوى الدولة.
•الوصول إلى السلطة السياسية.
•الانتماء الإيدلوجي للفرد والمجتمع.