يُعرَّف التنوع البيولوجي بأنه “التباين بين االكائنات الحية بما في ذلك البرية والبحرية وغيرها من النظم الإيكولوجية المائية والأرضية والمجمتعات البيئية التي تشكل جزءًا منها ؛ هذه يشمل التنوع داخل الأنواع ، وبين الأنواع والنظم الإيكولوجية “. والحفاظ على التنوع البيولوجي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستخدام المستدام لـلمكونات المختلفة للنظام البيئي من أجل ضمان أن البشرية يمكن الاستفادة منها على المدى الطويل. ومع ذلك ، فإن العديد من الأنشطة البشرية المساهمة في استنفاد الموارد البيولوجية ، وزيادة التلوث ، وتغير المناخ ، وكلها تقوض وتدهور التنوع البيولوجي بمعدلات غير مسبوقة .
يلعب التنوع البيولوجي دورًا رئيسيًا في الحياة على الأرض. يوفر للبشر الغذاء والماء والطاقة والموارد الطبيعية والمواد الخام والمصادر الوراثية. والتنوع البيولوجي مهم أيضًا لتنظيم المناخ ، والقضاء على التلوث ، ووقف الكوارث الطبيعية. ومع ذلك ، فإن التنوع البيولوجي حاليا مهددة بالانقراض ، وإن معدلات الانقراض من 100 إلى 1000 مرة أعلى مما كانت عليه في عصور ما قبل الإنسان ، وهي الأعلى منذ انقراض الديناصورات. مع وجود مليون نوع أخر في خطر ، وإن الكوكب من المتوقع أن يمر عبر الانقراض الجماعي السادس. اوبالنسبة للحياة البرية فقد انخفض عدد الأنواع في جميع أنحاء العالم وإن مدى الخطر أصبح واضحًا في حقيقة أنه بين عامي 1970 و 2014 بنسبة 60 ٪.
التنوع البيولوجى في المنطقة العربية
تعتبر المنطقة العربية من بين المناطق الأكثر ثراءً وتنوعاً فيما يتعلق بالتنوّع البيولوجي أوالحيوي، ويعود ذلك إلى موقعها الجغرافي المتميّز والممتد من الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، حيث يتنوّع المناخ والتضاريس. لكن هذه المنطقة باتت اليوم من أكثر المناطق تهديداً للتنوّع البيولوجي، بسبب تفاعل عدة عوامل، منها ما هو طبيعي ويرتبط بتغيّر المناخ، ومنها ما هو مرتبط بالأنشطة البشرية التي تساهم في تدمير الموائل وفي إحداث المزيد من التلوث.
وتتميز المنطقة العربية أيضا على توفرتنوع بيولوجى هام يرجع إلى تنوع موائلها الطبيعية وأنظمتها البيئية، حيث تزخر بتنوع نباتى كبير يختلف من الأنواع الصحراوية المتواجدة فى صحارى شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، إلى الأنواع الخاصة بالأراضى الرطبة والمناطق الجبلية المتوسطية المتواجدة فى سوريا ولبنان وفى شمال إفريقيا كذلك؛ كما تنفرد بأنواع نباتية نمت منذ فترة طويلة فى الصحارى العربية وأصبحت أصنافا خاصة بها لا تنمو فى مكان آخر (مثال مصر، ليبيا، الجزائر، المغرب). غير أن هذا التنوع البيولوجى الهام معرض للفقدان، ما جعل أغلب دول المنطقة العربية تصنَف ضمن النقاط الساخنة (Hotspots ) للتنوع البيولوجى. وتصنف الدول العربية الواقعة فى جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى الأردن، ضمن النقطة الساخنة لحوض الأبيض المتوسط، وتصنَف دول القرن الإفريقى ومناطق جنوب غرب الجزيرة العربية ضمن النقطة الساخنة للقرن الإفريقى؛ كما أن بعض المناطق من الدول العربية تعتبر نقاطا ساخنة صغيرة، من ضمنها جبال أطلس المغرب العربى، والأراضى الرطبة الساحلية فى المغرب والجزائر، وإقليم برقة بليبيا، ولبنان وفلسطين؛ وهى تتكون من أنظمة بيئية شديدة التنوع البيولوجى وموطن للعديد من الأنواع المستوطنة. على سبيل المثال، يتوفر في المغرب، الذى يُعتبر أغنى الدول العربية وثانى دولة بعد تركيا فى النقطة الساخنة لحوض البحر الأبيض المتوسط، على أكثر من 40 نوعا من النظم البيئية الطبيعية التى تُعد موطنا للعديد من الأنواع المتوطنة أو النادرة، و24 ألف نوع من الحيوانات 97% منها من الحيوانات اللافقارية والحيوانات المائية (معدل التوطن 11%)، و8 آلاف من النباتات بمعدل توطن يصل إلى 20%؛ كما يتميز بنسبة عالية للتوطن للنباتات الوعائية تصل إلى 25%. ومن جهة أخرى، يحتوى المغرب على 1700 نوع نباتى نادر و/أو مهددة بالانقراض، أكثر من 75% منها تعتبر نادرة جدا، وما لا يقل عن 40 نوعا من أكثر أنواع الثدييات المهددة بالانقراض.أما اليمن، المصنف ضمن النقطة الساخنة للقرن الإفريقى، فيعتبر من أغنى وأكثر مناطق الجزيرة العربية فى تنوعها البيولوجى الفريد والنادر. ويُعد العراق ممرا طبيعيا للكثير من الأنواع بسبب موقعه الاستراتيجى، ويتوفر على سبع مناطق بيئية أرضية وثلاث مناطق بيئية للمياه العذبة ومنطقة بيئية بحرية.
وفي المنطقة الأفريقية العربية ،فإن المتوقع أن 17٪ من الثدييات المتوطنة في المنطقة العربية في شبه الجزيرة العربية والصحراء الأفريقية تتعرض للانقراض بحلول عام 2050. بالإضافة إلى ذلك ، ومن المتوقع أن يتحول عدد كبير من الأنواع المتوطنة من فئة “أقل قلق” إلى فئة “المهددة بشدة” أو “المنقرضة” في العقود القادمة. ومن أصل 14 نوعًا من الفقاريات الكبيرة التي كانت موجودة تاريخياً في المنطقة ، فإن 4 أنواع قد انقرضت مثل مها ذو قرون سيف Scimitar-horned Oryx كذلك اختفت معظم هذه الأنواع أيضًا من 90 ٪ من موائلها الصحراوية مثل الأداكس ، وغزال داما ، والفهد الصحراوى، وكلها عرضة للانقراض. ويهدد الانقراض أيضا عددا كبيرا من الأنواع الحيوانية والنباتية، كالثدييات النادرة فى اليمن، والثدييات المتوطنة فى منطقة صحراء شبه الجزيرة العربية والصحراء الإفريقية، والعديد من الأنواع النباتية فى كل المنطقة العربية. كما انقرض العديد من أنواع الثدييات من دول الشام، مثل النمر والغزال والماعز البرى والدب السورى، وانقرض الفهد الصياد من الدول العربية كالعراق واليمن.
أسباب تدهور التنوع البيولوجى في المنطقة العربية
يرتبط تدهور التنوع البيولوجي باساليب الإنتاج والاستهلاك العالميين. وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول العربية التي لم تقلد فقط تلك الأنماط وتخلوا عن طرق الإنتاج التقليدية التي حافظت عليها الموارد ، ولكنها سمحت أيضًا للدول الغربية باستغلالها في ظل ذريعة التجارة العالمية. يأخذ هذا الاستغلال أشكالًا مختلفة مثل الصيد الجائر في المياه الإقليمية لتلك البلدان أو زراعة التصدير المحاصيل دون مراعاة نضوب المياه ويمكن أن تأخذ شكل القرصنة البيولوجية من خلال ما هي المصادر البيولوجية والجينية التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني.
ويرجع تدهور التنوع البيولوجى إلى عدة أسباب مرتبطة بالتحولات فى الأنماط العالمية للإنتاج والاستهلاك والتى أدت إلى تخلى شعوب ودول المنطقة عن أنماطها التقليدية التى كانت تساهم فى الحفاظ على الموارد وتدبير الندرة؛ كما أدت إلى التلوث والتوسع العمرانى وفقدان الموائل وتجزئتها، واستنزاف ثروات وموارد بعض دول المنطقة من طرف الدول الغربية فى إطار العلاقات التجارية الدولية، خاصة فى مجالات الصيد والفلاحة. ولعل أحد الأمثلة على تدهور التنوع البيولوجى فى المنطقة العربية، هو ما يتعرض له المجال الغابوى فى المغرب، والذى يُعد من أفضل الدول الجنوب المتوسطية من حيث الغطاء الغابوى (نحو 14%)، ويتوفر على أكبر غابات الأرز فى حوض البحر الأبيض المتوسط، وإحدى أكبر الغابات الحرجية فى العالم، التى تحتوى على البلوط الفلينى (60 ألف هكتار). وبرغم أهمية القطاع الغابوى للاقتصاد المغربى، إذ يساهم بنحو 1% من الناتج الداخلى الوطنى الخام، ويوفر ما بين 8 إلى 10 ملايين يوم عمل فى السنة، ويساهم بـ30% من حاجيات الخشب الموجه للأغراض الصناعية، و18% من الطاقة الوطنية، و17% من حاجيات كلأ قطيع الماشية، فإنه لا يحظى بالحماية اللازمة. فبالإضافة إلى العوامل الطبيعية والبشرية التى تتهدد الغابات، كالجفاف والتصحر والحرائق، والأضرار التى تسببها الطفيليات، والرعى الجائر، والقطع غير المشروع للأخشاب، واقتلاع النباتات الطبيعية من أجل الزراعة، كذلك تتعرض الغابات إلى الاستنزاف والتدمير من طرف لوبيات العقار والأخشاب،
وتتأثر النظم البيئية العربية أيضا بالتلوث والسياحة غير المستدامة والزحف العمرانى، والإفراط في الزراعة ، واستنزاف الموارد الطبيعية ، وتدمير الموائل الطبيعية ، انقراض العديد من النباتات والحيوانات الأنواع ، والاستخدام المفرط للأسمدة ومبيدات الآفات ، كل هذه العوامل تهدد حياة الآلاف من الأنواع والموائل وتعريض صحة الإنسان للخطر مما يقوض المتوطنة من خلال الأنواع الغازية والرعي الجائر وحرائق الغابات وغيرها. ويعتبر تدهور التنوع البيولوجي هو قضية بيئية في غاية الإهتمام لأنه يزيد من الاحتباس الحراري في ظل التغيرات المناخية ويعطل النظم البيئية. إنه تنموي القضية لأنها مرتبطة بشكل مباشر بفقدان الموارد الرئيسية اللازمة لها الزراعة والصناعة والسياحة والرعاية الصحية ومسألة أمنية بسببها يقوض الأمن الغذائي خاصة في البلدان النامية ويمكن أن يؤدي إلى اندلاع الحروب والصراعات الأهلية. بالإضافة إلى ذلك ، إنها قضية أخلاقية لأن الفئات الفقيرة هي الأكثر تضررا من تدهور التنوع البيولوجي ، مما يهدد العدالة الاجتماعية. إنها مسألة حياة أو موت لأنه يهدد الوجود البشري ويمكن أن يؤدي إلى انقراض العديد من الأنواع النباتية والحيوانية نتيجة لاضطراب النظم البيئية فضلا عن الصراعات التي يمكن أن تنجم وتؤدي إلى نقص مصادر.الموارد الطبيعية.
الحلول
يجب على الإنسان المحافظة على التنوّع الحيويّ؛ وذلك من خلال التّخلّص من الأسباب المؤدّية إلى تهديده، وفيما يأتي أهم الطّرق الّتي من خلالها تتمّ المحافظة على التّنوّع البيولوجيّ:
يجب الالتزام بالمعايير البيئية التى تنص عليها الاتفاقيات ذات الصلة بالتنوع البيولوجى (CBD) ،استعمالُ الطّاقة المتجدّدة، واستخدام المنتجات المصاحبة للبيئة. الحدُّ من الصّيد الجائر، وتجنّب صيد الحيوانات المهدّدة بالانقراض. المحافظة على التنوّع الحيويّ من خلال الابتعاد عن الزّحف العِمرانيّ في المناطق التي تنتشر فيها النّباتات، والحيوانات، والتّوسُّع العمرانيّ في المناطق غير المستغلة والمناطق الصّحراوية. الابتعاد عن المواد الكيمائيّة؛ كالمخصّبات، والمبيدات، والتوجّه نحو الأغذية العُضويّة والطّبيعيّة. الحدّ من التّلوّث بجميع أشكاله وأنواعه، سواءً بشكلٍ خاص أم عام من خلال إعادة تدوير النّفايات واستخدامها مرّةً أخرى، والحدّ من استخدام المواد الكيميائيّة الضّارّة بالبيئة، والتوجّه نحو الاقتصاد الأفضل للطّاقة؛ إذ إنّ معظَم إنتاج الطّاقة يكون من حرق المُشتقّات النّفطيّة التي تؤدي إلى زيادة التّلوُّث البيئيّ، وبالتّالي تدمير التنوّع الحيويّ على سطح الأرض.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم