الفرق الكبير بين حب المسلم المعاصر للنبي صلى الله عليه وسلم وحب الاقدمين من الصحابة والتابعين يكمن في الترجمة الصحيحة والتعبير الصادق عن تلك المحبة والتقدير لها دائما وجعلها تاجا على الرؤوس..
لم يكن حبهم مجرد كلام اوعبارات تلوكها الألسن وحتى لو تغنوا بها. كانت الأقوال مطابقة الأفعال تماما وإذا شعر المرء بشيء ما او خلل فسرعان ما كان يؤدب نفسه ويتهمها بالتقصير..هل تذكرون الواقعة الشهيرة ..نافق حنظلة ..ويتم تعديل المسار على الفور ليستقيموا على الحق وتستقيم بهم الحياة أيضا..
ولم يكن أحد بحاجة إلى دليل إثبات الحب لله والرسول.. بل إن التعبير عنه يأتي عفويا عبقريا مدهشا تتعجب معه كيف وصل إلى هذه الدرجة من الرقي والسموعندما تنساب الكلمات وتجرى من الافئدة.
لم يجد الصحابي شيئا اجمل ولا اكبر ولا اشمل في التعبير عندما سئل عن الجنة التى يتطلع ويتضرع إلى الله لينالها من القول في وصفها.. فيها رسول الله!! وهل هناك أبلغ من هذا جوابا إجابة مذهلة مفحمة..تعكس جمال الحب وسموه في أعلى عليين..
المواقف الكاشفة عن عبقرية الحب الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم ما أكثرها تجدها مجدولة دائما بوقائع الحياة وتفصيلاتها ودقائق العلاقات بين الكبار من الصحابة وغيرهم
حدث حوار طريف غريب وعجيب بين الفاروق عمر بن الخطاب وابنه عبدالله رضي الله عنهما قال عبدالله لأبيه: لم فضَّلْت أسامةَ بن زيد عليَّ؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد ؟! قال عمر: “لأن زيدًا كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وكان أسامة أحبَّ إلى رسول الله منك فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي ” .
وكان أسامة يعرف بأنه حب رسول الله. وقد حزن الرسول على زيد حزنًا شديدًا بعد استشهاده في معركة مؤتة الشهيرة حتّى إنّه بكى لذلك، فقيل له: ما هذا يا رسول الله؟، فقال: “شوق الحبيب إلى حبيبه”.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي وإنك لأحب إليَّ من أهلي ومالي وإنك لأحبُّ إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرتُ موتي وموتك، عرَفتُ أنك إذا دخلتَ الجنة رُفِعتَ مع النبيين وأني إذا دخلتُ الجنة خشيتُ ألا أراك فلم يردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء 69].
وها هو صحابي وكان يؤذن في الحرم اسمه أبو محذورة يقسم ألا يحلق شعر رأسه طوال حياته منذ أن وضع النبي ﷺ يده الشريفة عليه.
..والإمام مالك من أكثر الناس توقيراً له صلى الله عليه وسلم وتقديراً حتى أنه حلف وأقسم بالله ألا يركب دابة في المدينة أبداً. يقول: مدينة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون والله لا أركب دابة فيها أبداً. وكان إذا قرب من المسجد النبوى يرفع حذاءه ويمشي حافياً.
وكان سعيد بن المسيب رضي الله عنه وهو في مرض الموت حين يسأله سائل عن معنى حديث، فيقول لأصحابه : أسندوني، فقالوا: يُشق عليك ذلك، فقال: والله لا أُسأل عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع، والله لا بد من إسنادي فأسندوه، ثم قال: أضجعوني، فأضجعوه فتوفي رضي الله عنه.
حتى المشركين لم تفتهم ملاحظة الحب غير العادي للنبي من جانب صحابته ..من ذلك أن عروة بن مسعود لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ورأى حب الصحابة له، تعجب وذكر في ذلك عبارات رائعة عندما عاد إلى قومه من المشركين فقال:(يا قوم والله لقد وفدت على الملوك والرؤساء وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي ووالله ما رأيت أحداً يعظمه أصحابه كما رأيت أصحاب محمد يعظمون محمداً صلى الله عليه وسلم والله ما تنخم محمد نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ولا توضأ حتى كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا الصوت عنده ولا يحد أحدهم الطرف إليه إجلالاً له) والقصة في صحيح البخاري..
مشكلة المسلم المعاصر لا تكمن في اعلان الحب لله ولرسوله ولكن المشكلة الكبرى في مقتضيات هذا الحب ما يفرضه وما يوجبه من لزوم ما يلزم في كل وقت وحين ليقوم البنيان على أسس راسخة وتتعمق جذور المحبة وتوفر ازهار ورياحين في كل أرجاء المجتمع من انس وحيوان وجماد وغيرها مجتمع الأمن والاستقرار والطمأنينة الدائمة تحت مظلة حب الله تعالى ورسوله..
ومقتضيات المحبة معروفة سهلة ميسورة تتلخص في الإتباع والإلتزام والتمسك بكل ما أمر والبعد عن كل ما نها عنه والتخلق بأخلاقه في كل صغيرة وكبيرة وفي علاقة الإنسان لأخيه الإنسان وعلاقته بالحر المختلف معه عقديا وثقافيا.وفي الحفاظ على بيئته ومجتمعه وتحقيق النهضة الحضارية اللازمة للارتقاء بكل مناحي الحياة علمية وعملية في سبيل الوصول إلى السعادة المنشودة في الحياة الدنيا والطمع في رضوان الله تعالى.
..قال بعض الصالحين: “ان مُحبّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله وإذا خلا قلبه من الغيرة لله ولرسوله فهو من المحبة أخلى وإن زعم أنه من المحبين، فكذب من ادّعى محبة محبوبٍ من الناس وهو يرى غيره ينتهك حُرْمَةَ محبوبه ويسعى في أذاه ومساخطه، ويستهين بحقه ويستخف بأمره وهو لا يغار لذلك، بل قلبه بارد، فكيف يصحّ لعبد أن يَدَّعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتُهكت، ولا لحقوقه إذا ضيِّعت. وأقل الأقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه فيغار لمحبوبه من تفريطه في حقه وارتكابه لمعصية”.
آن الأوان لنتجاوز مراحل الحب الصوتية الكلامية لنستغرق في الطرق العملية على دروب التنفيذ..
عشنا سنوات طوال تحت لافتة علموا أولادكم محبة رسول الله نرددها ونلوكها بالالسنة فيما تركنا الاولاد نهبا لمسلسلات توم وجيري ومازنجر وأخواته وغيرها من كارتونيات خبيثة تسلب عقول الاطفال والكبار ايضا والان يطل شبح المثلية وبرامجها اللعينة.
وتركنا الشباب صرعى أمام الافلام إياها والمسلسلات المدبلجة من كل اللغات ولم يطرف لأحد جفن لما تحمله من قيم مغايرة مدمرة للدين والأخلاق ولم يأبه أحد بمحاولات التسلل والعبث في عقول الشباب حتى باتت قضية الهوية على المحك.
وبدلا من أن تكون المناسبات الدينية فرصا للتجديد وضبط الدفة وحركة المسارات المعوجة فإذا باركان قوية تخر صريعة أمام قوى الدفع والطرد بعيدا عن قيمنا وأخلاقنا والحب الحقيقي لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ويظن البعض أن شراء حلوى المولد والمبالغة في انواعها يكفي لاظهار الحب للنبي..وهذه هي الطامة الكبرى.
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com