لقد اهتم ديننا الحنيف بموضوع البيئة قولًا وعملًا؛ وحثنا على حمايتها، والتعامل معها على أنها ملكية عامة يتوجب علينا المحافظة على مكوناتها وثرواتها ومواردها، حيث يقول الحق سبحانه: “كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ”، ويقول سبحانه : ” وَلَا تُفْسِدُواْ فِي ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَحِهَا ” ، كما بين نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان فقال : “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ” ، وفي ذلك تأكيد على أهمية رفع الأذى عن كل ما يضر بالإنسان وبيان عظيم الثواب المترتب على فعل ذلك ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا”، فالأمر بالغرس في هذا الوقت إنما هو زيادة تأكيد على شرف الغرس والإحياء وعمارة الكون، وهو ما يسهم في تحقيق نظريات الاقتصاد الأخضر في عصرنا الحاضر.
كما أن من مهام الاستخلاف في الأرض دفع الفساد والإفساد عن الخلق والكون كله، حيث يقول الحق سبحانه: “فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ”، وإذا كان هذا اللوم لمن لم يقوموا بواجبهم في النهي عن الفساد في الأرض فما بالكم بمن يفسدون فيها اعتداء عليها بأي لون من ألوان الإفساد أو التجاوز أو التعدي الذي يشمل التجاوز البيئي وغيره.
لقد خلق الله (عز وجل) الكون بنظام محكم دقيق، وجعل لكل عنصر في هذا الكون دورًا في حفظ اتزانه، واستخلف الإنسان في الأرض لعمارتها، ونهاه عن الإسراف في كل شيء، وأمره بالاعتدال في كل شيء، بما في ذلك التعامل مع الطبيعة، تحقيقًا للتوازن البيئي الذي يكفل الاستمرار لكل هذه العناصر، حيث يقول سبحانه: “وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ”.
غير أن بعض الأنشطة الإنسانية قد انعكست سلبًا على هذا التوازن، وبدأ الإنسان نفسه يعاني من نتائج التعدي على البيئة كرد فعل لممارسات لا تتوافق والنظام الطبيعي للكون .
ومعلوم أن مخاطر التعدي على البيئة قد تعددت وتطورت وتسارعت على نحوٍ ينذر بخطر داهم على الإنسانية جمعاء، وأن ما يترتب على هذه المخاطر من ضرر إنما هو ضرر متعدٍ لا يقف عند حدود مرتكبيه أو دولهم أو إقليمهم ، إنما يتجاوزهم إلى نطاق أوسع ربما يؤثر في الكرة الأرضية كلها وعلى البشرية جمعاء .
والشريعة الإسلامية بأصولها وفروعها وقواعدها الفقهية ومقاصدها الشرعية وبتوجيهات نصوص الكتاب والسنة أولت حماية البيئة ورعايتها والمحافظة عليها عناية خاصة، من منطلق أن كل ما يحقق مصالح البلاد والعباد هو من صميم مقاصد الأديان ، فحيث تكون المصلحة المعتبرة فثمة شرع الله (عز وجل) .
وعلى كل منَّا أن يبدأ بنظافة مكانه ومحيطه الذي يعيش فيه ، ولا شك أن الحرص على النظافة وجعلها سلوكًا إنسانيًّا عامًّا أحد أهم محاور الحفاظ على البيئة كونها أولى خطوات التطبيق العملي الذي يبدأ الإنسان فيه بنفسه ، ثم ينطلق من الخاص إلى العام ، بما يسهم في تحقيق الخير للفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء .
وزير الأوقاف