تستوقفني النفس الإنسانية بأدوارها المختلفة المتعددة في الحياة بأحداثها وصعابها، بل إننا على مدار اليوم الواحد نعيش أدوار مختلفة، ونتعامل مع مواقف متضاربة فتارةً نكون أقوياء وتارةً ضعفاء، ومرة مترددين وأخرى ثابتين، ووجدت معنى في القرآن الكريم يؤكد هذا المفهوم.
أن المؤمن الحق يكون عزيز النفس مترفع الصفات عندما يتعامل مع الفاسدين والكافرين.. ويكون متواضع. رقيق القلب مع الصالحين (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) والإنسان بهذا له عدة أدوار يقوم بها.. تؤكد إيمانه ويقينه وعقيدته من خلال أدواره المتعددة التي يقوم بها. فإن دور الأب يتميز بصفات عديدة أهمها الاحتواء والحزم أما دور الابن فهو في منطقة مختلفة تمامًا فهو يتميز بالطاعة، وحب المرح الغير ممنهج والطموح الجارف، والرغبة العارمة في النجاح في الحياة، واستهواء التحدي والمغامرة. أما دور الزوج فهو مثل الخلطة السرية!!! فهو حب مخلوط باحتواء مع كثير من الفهم قليل من الحزم على أرضية واسعة من تحمل المسئولية..
وعلى الجانب الآخر دور الجد الذي يتميز بعدم المسئولية المباشرة للأحفاد، برغم الحب الجارف لهم مع أنه يتميز بالفهم العميق للحياة بالخبرة والنضج والنظرة الشاملة للأمور وكل ذلك في إطار الرؤية الحكيمة للحياة وأحداثها… فنحن جميعًا نعيش بأدوار مختلفة على مسرح الحياة وهذه الأدوار تكتمل بها دنيانا…
وقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – أكبر مثل على ذلك.. فقد كان في بيته محبًا لزوجه يسمعهم ويمازحهم ويعاونهم في أمور البيت.. ولكن إذا جاء وقت الصلاة تقول السيدة عائشة (إذا جاء وقت الصلاة فكان كأنه لا يعرفنا).
يا الله ما هذا التحول القوي وقت الصلاة كان كأن لم يعرفهم قبل ذلك… لقد ظهرت شخصية النبي المؤمن التي لا تسمح لتفاصيل الحياة أن تلهيه عن نداء الحق وكان منذ قليل الزوج الودود، المحب، المتعاون.. إذًا.. فهذا دور وهذا دور.. وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – أحسن خلق الله جميعًا في القيام بجميع الأدوار فقد كان مع الأطفال أب حنون يشعر بمشاعرهم ويشاركهم همومهم الصغيرة.. ويسألهم عن أحوالهم وتتجلى أبوته في فرحته في استقبال السيدة فاطمة حين تزوره.. وتسأل عليه.. وكان يلقبها بأم أبيها..
وكان جدًا عطوفًا يحمل حفيدته على ظهره في الصلاة وفي الجماعة في المسجد يخاف القيام من صلاته حتى لا يفزعهم، حتى مع السارق كان له دور حكيم فقد خرج النبي – صلى الله عليه وسلم من المسجد بعد الصلاة فلم يجد حذاءه فقال إن كان الذي سرقه سرقه لحاجة فبارك له فيه، وإن كان سرقه فاجعل يا رب هذا آخر ذنب يذنبه) ورغم ذلك وفي موقف آخر قال – صلى الله عليه وسلم – (لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)
يا الله!!! ما هذه الأدوار المتكاملة المحكمة التصرف في كل نواحي الحياة، ما هذا الحزم القاطع بين دعاء لسارق بحب، وتوعد لسارق بحزم…!!
ولأن الرسول الكريم أسوتنا والنور الهادي لنا فعلينا أن نسلط الضوء على أدوارنا في الحياة.. تلك الأدوار التي هي حياتنا كلها.. مع اختلاف الأدوار التي كتبها الله لك فقد تكون أب ولكن لست ابن فوالدك عند ربه، وقد تكون جد وابن وأب وزوج في نفس الوقت. وتتعدد الأدوار وتزيد وتنقص.. فهي أقدارنا جميعًا فأنت أيها الإنسان في مسرح الحياة لك دور في هذه الرواية التي تقوم بها، فاحفظ وافهم دورك جيدًا، واتقنه وقدمه كأحسن ما يكون، فإنك تقوم بدورك والحكم لله الخبير البصير الذي يعلم كل ما في نفسك ما تظهره وما تخفيه.. هو الذي يقدر أدوارك كلها هل هي بصدق أم هي بحق فأجب لنفسك قبل أن تجيب للعلي القدير..
فهل تستطيع الإجابة أيها الممثل القدير؟
كاتب المقال ا.د. الفت حلمى سالم استاذ الفلسفة الاسلامية