لست من دراويش كرة القدم ولا من عشاقها أو حتى مشجعيها ولكنني مرغم مضطر لمتابعتها ولو من بعيد نظرا لحالة الهوس الرياضي التي تكتسح العالم وتحول الرياضة احيانا إلى نوع من افيون الشعوب ثم وهو الأهم أن الرياضة عموما لم تكن يوما بمنأى عن الدين والأخلاق في كل زمان ومكان.
استوقفني ولفت نظري أن الاسئلة الحضارية كانت الأكثر إلحاحا في دورة مونديال ٢٠٢٢ التى تستضيفها دولة قطر..الظرف التاريخي والانتكاسة الشديدة متعددة الأبعاد على سطح الكرة الأرضية والتى تضرب جميع الدول الغنية والفقيرة على السواء أو دول العالم الاول ودول العالم النامية أو المتطلعة كانت كاشفة وقادرة على التعرية بابعد ما تكون عوامل التعرية خاصة فيما يتعلق بالعوامل والجوانب الإنسانية وما يتعلق بتأكيد إنسانية الإنسان والأبعاد الأخلاقية وكل ما يحقق الارتقاء والسمو للبشرية بعيدا عن أي انتماءات عرقية أو اثنية أو جغرافية تاريخية.
حالات الزيف الكبير والخداع الأكبر تحطمت أو على الأقل تكشفت مع حصار الأزمات الخانق وإحساس الكثيرين الكبار والمستكبرين والضعفاء والمستضعفين باشباح يوم القيامة تحوم وتخيم في الأجواء بلا استثناء.. ماحدث مع فيروس كورونا كان نموذجا صعبا وفريدا رغم ما أحدثه من موجات هلع وارتباك لم ينج منها أحد في الشرق أو الغرب.
اكتملت خيوط الأزمة وتصاعدت حدتها وقسوتها مع تداعيات أزمة الطاقة باشتعال حرب روسيا والغرب على الأرض الأوكرانية والتى وضعت أرباب القوة واساطينها في حيص بيص..ولأول مرة تعجز تلك القوى عن خداع وابتزاز وسلب ونهب الآخرين والمحرومين من مصادر القوة الحقيقية التى يمتلكونها ووجدت القوى الكبرى نفسها في مأزق شديد وحرج أشد خاصة والأيدي على الزناد لا تراوح اول درجات التهويش والضرب بما لايقطع عرقا ولا يوقف نزفا.الأيدي مرتعشة والترقب الأكبر مخافة أن تلامس الاصابع حقائب الزر النووي الملعون في ظل هواجس مرعبة من تكرار بيرل هاربور او ناجازاكي وهيروشيما جديدة.
صحوة دول الجنوب أو قل تحديدا الشرق بما فيها أصحاب الحضارة البترولية واخواتها شكلت الفارق في المعادلة.بدأ كل طرف يتحسس إمكانياته وقدراته ويتشبث بكل مصادر القوة التي يمتلكها سواء كانت ناعمة أو خشنة قوة اقتصادية أو قوة روحية.
تساقط أوراق الربيع المزعوم وانكشاف اوراق اللعب وقوى التحريك الغاشمة أو المتسللة أو المتسربلة بوشاحات الحليف الاستراتيجي أو اي اسماء وصفات للصداقة غير الصديقة أعطى قوة دفع كبرى للكثيرين في إعادة ترتيب الأوراق والتأكد من توافر المصلحة الوطنية والقومية وحتى الإنسانية ايضا بعد طول ابتزاز وتوريط في أمور لا ناقة لهم فيها ولاجمل..وأصبح السؤال الكبير المطروح بالفعل أمام مأزق الكبار وحضارتهم المأزومة أخلاقيا وروحيا والان اقتصاديا إذا كنا على الحق وكان الحق معنا ولنا فلماذا نقبل الدنية في قضايانا.لماذا نقبل الدنية في ديننا. واوطاننا لماذا نظل ندفع دم قلوب شعوبنا لينتعش الآخرون فقط لماذا يشربون هم ودائما الماء صفوا ونشربه نحن كدرا وطينا لماذا نظل تحت سيف الاملاءات والخوف من العقوبات وأوهام الحصار الاقتصادي وغيره لماذا يريدون الحفاظ على أخلاقهم ويريدون تجريدنا من اخلاقياتنا..لماذا يريدون ضرب هويتنا وتمييعها وتذويبها وتغريبها ويفرضون علينا مايروجون بين ظهرانينا من ألوان الشذوذ والفجور دون اعتبار لاي حرمات أو عدوان على مقدسات رغم مخالفته لأبسط قواعد الفطرة الإنسانية؟!.
في هذا الإطار الكبير يمكن أن نفهم حقيقية ما جرى ويجري من هجوم ومحاولات استعداء وتشويه لبصمات التميز التي تزين مونديال قطر الحالي.
ورغم أن الأمور واضحة ومعلومة ومعروفة للجميع ومعلنة من قبل على الأقل فيما يختص بالاحترام الواجب لثقافة ودين وعادات وتقاليد البلد المضيف..وهو ما حظي بترحيب وموافقة الفيفا.إلا أن حملات الكراهية والاستعداء لم ولن تتوقف وحملات الترويج لمخاوف وخزعبلات ليس لها أي اساس من قبيل أسلمة المونديال وصلت حد اظهار الانزعاج من اي رموز إسلامية تعبر عن ثقافة وبيئة عربية وإسلامية..ومحاولة تصدير امراض عتاة العلمانيين والملحدين إلى ساحة المونديال..والإلحاح بكل الطرق بالسماح للشواذ وأتباعهم وذيولهم بممارسة فجورهم بكل حرية ورفع شعاراتهم في ساحات الملاعب وعلى ملابس الفرق المتنافسة.
لقد بلغت درجة الحساسية الحاقدة مبلغا عظيما عندما عبر البعض صراحة عن دهشتهم من كثرة المآذن في البلاد وأن الاذان يرفع في مكبرات الصوت حتى في المصليات القريبة من الملاعب ينكرون ويستنكرون ويتبجحون!!
حسنا فعلت قطر أن قالت بوضوح لا للمثلية..لا للخمور..لا لاي مخالفات اخلاقية فمنعت الشواذ والمثليين اللواطيين من أن يقربوا المونديال أو يطأوا أرضه..وكذا منعت الخمور والمسكرات وتحملت الإمارة الغرامة في عقود الخمور التى كان مقررا الترويج لها في المونديال. نعم يشع التساؤل لم نقبل الدنية في ديننا وعلى أرضنا ؟! لعلها تكون بداية لانطلاقة اكبر فيما هو قادم من الأيام.
اغرب وأعجب ما سمعت الإعتراضات على دعوة علماء ودعاة مشهوريين عالميا مثل د.زاكر نايك وقال البعض ما هذا هل سيدخلون الفرق الاسلام ام انهم يتنافسون في كرة القدم؟!
وطرح البعض اسئلة من قبيل هل من حق دول أوروبا المسيحية أن تبشر بالمسيحية وتعلق الصلبان في كل مكان في المدن التي تشهد المنافسات وأشياء من هذا القبيل؟!
بالطبع هذه حملات مسمومة للتشويش والتشويه وهؤلاء واشباههم لايعنيهم الدين من قريب أو بعيد بل إن لهم مواقف معادية مفرطة في الكراهية لكل ما له علاقة بالدين وكل ما يحض على التمسك بالقيم والأخلاق..
الغريب ان ما تم من إجراءات على هذه الأصعدة لا علاقة له باللعب واللاعبين ولا يؤثر عليهم باي درجة بل فيه حماية لهم ودعم وتوفير كل الأجواء للمنافسة الشريفة بعيدا عن أي مضايقات طوال فترة المنافسة..
يبدو أن من يقودون تلك الحملات لا يقرأون التاريخ ولا يعرفون تاريخ الالعاب وارتباطها منذ القدم بالاديان خاصة المسيحية واليهودية وكما يقول الباحثون تاريخيا كانت الرياضة جزءا من الاحتفالات الدينية خاصة في الوثنيات وتم استعارة مصطلحاتها مثل:الفوز والمنافسة في المجال الديني كما أن الرياضة مشبعة بكثير من القيم الدينية لذا لجأت إليها حركات دينية للتبشير وتجديد الحضور الديني في المجال العام. وفي اليونان القديمة معقل ومنشأ الاليمبياد اعتقد الرياضيون أن تدريبهم يكرم الآلهة والنصر علامة استحسان من الآلهة لذا جرت غالبية المنافسات الرياضية في سياق ديني وكان الرياضيون الفائزون يتمتعون بمكانة دينية بل يُمنحون أحيانًا مكانة الآلهة!
بل وحتى الامس القريب كانت الدورات الرياضية مرتعا لجماعات تبشيرية وتنصيرية سواء في افريقيا وما زلت احتفظ ببعض أوراق عن مسابقات أعدتها جماعات تبشيرية بعنوان من الفائز في احدى الدورات الافريقية.وحدث أيضا في اليابان في العام ٢٠١٩ ابان دورة الألعاب الرياضية نشاط كبير للاباء الفرنسسيسكان وغيرهم..
أيا ما يكن الامر فان الرياضة دائما عنوان الاخلاق ولا يجب ان تتخلى عن تلك الراية والأمم بعافية ما دامت قادرة على المقاومة لكل قوى الشر وداعمة لكل قيم الحب والخير والجمال.
والله المستعان.
Megahedkh@hotmail.com