كعادتي كل صباح افتح النافذة استقبل هواء مُندى قبل أن يلوثه البشر بأفعالهم، احتضن طفل الشمس الحيي وأداعبه قبل أن يشتد عوده ويقسو، أطوف مع الحمام حول مئذنة المسجد.
تنتهي امي من صلاتها وتفتح محطة القرآن الكريم وتسحب مسبحتها برفق وتبدأ في عزفها الجميل فتضئ وجهها وحولها هالات التهليل والتكبير والاستغفار.
يأتي إلي مسامعي صوته الخشن الردئ.. أطل من النافذة لأشاهد جرحا متألما.. يعنف والده المسكين ويتطاول عليه بيديه ويدفعه أمامه بشدة حتى أنه يتعركل في جلبابه المتسخ الممزق ليقع ويقوم عدة مرات في طريقه إلي مكتب البريد لقبض معاشه.
وهكذا تكون العودة باختلاف واحد.. يمسك الابن العاق بفلوس والده ويحذره (هتروح تنام زي الكلب لما تصحى هتلاقي الأكل جنبك.. لو عملت حمام مكانك هاحرقك بالنار.)
يهز الرجل رأسه فتتساقط دموعه ويتوسل في خوف وتلعثم.. (ممكن جنيه بس بس أجيب حاجه مسكره.)
ينظر إليه بشرر ويرفع يده فيعاجله خ خ خلاص مش مش عاوز.)
يبتعدا عن نظري ويحتلني سؤال يؤلمني بشدة..
ماذا صنعت أيها الرجل ليسلط عليك الله هذا الشقى في هذا السن، وماذا صنعت أيه الشقي ليجعله الله طريقك إلي النار.
أهز رأسي في حزن.. ألتفت إلى أمي السابحة في فيوضات الدعاء (اللهم احفظ أولادي من شر أنفسهم وشر عبادك) أردد آمين، وأعود لتساؤلي ومشهد الرجل وابنه فيأتي لمسامعي من المذياع صوت الشيخ المنشاوي ( كل نفس بما كسبت رهينة ).