انفلات الأسعار الذي يحدث يوميًا في كافة السلع والخدمات جزء منه يعود إلى بعض التجار والبائعين عديمي الضمير فمنهم من يحتكر السلع ويخزنها؛ مما يقلل المعروض في الأسواق فيرتفع سعرها، وهناك من هم ليسوا تجارًا أو بائعين في الأساس ويعملون في مهن أخرى غير التجارة، ولكن يستثمرون أموالهم في شراء كميات كبيرة من السلع، ومنهم من قام بشراء أرز الشعير، ويقوم بتخزينه في انتظار ارتفاع أسعاره ويبيعه لأعلى سعر؛ ليحقق أرباحًا من دم الشعب المصري المغلوب على أمره، والذي غالبيته يكد ويكدح ليوفر لأسرته الاحتياجات الأساسية من الغذاء، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها غالبية الأسر المصرية متوسطة ومحدودة الدخل.
وهناك من أصحاب محلات البقالة والسوبر ماركت الذين يرفعون أسعار سلعهم كل يوم بحجة ارتفاع سعر الدولار، والحقيقة أن أغلب هذه السلع كانت مخزنة لديهم قبل ارتفاع سعر الدولار، ولكن جشعًا منهم لملئ بطونهم بالأموال الحرام، وهناك من يحتكر العملة الأجنبية، ويضارب بها في السوق السوداء، وهذا من الأسباب الرئيسة لصعود أسعارها في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة كل دولار لاستيراد السلع والإفراج عنها من الموانئ وضخها بالأسواق للعمل على انخفاض أسعارها الجنوني.
وكلنا نعلم أنه مهما كانت جهود الأجهزة الرقابية وتعددها وعملها ليل نهار فهي ليست بالعدد الكافي، ولا أفرادها ولا عتادهم يستطيعون مراقبة وضبط كل المخالفين والمستغلين لأقوات الشعب في كل أسواق ومحلات ومتاجر الجمهورية، ولا يستطيعون أيضًا الاستمرارية بنفس الجهد، وأيضًا ليس كلهم على قلب رجل واحد، وحتى القوانين المعاقبة للمخالفين أكثرها هي غرامات مالية لا تثمن ولا تغني من جوع.
ولذا لابد من إطلاق مبادرة توعوية دينية تقودها كل مؤسسات الدولة الدينية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام كافة تحت عنوان “لا تطعموا أولادكم حرامًا” حتى يشعر كل إنسان مستغل لحاجة الناس ويتوق إلى مص دمائهم والمتاجرة بأقواتهم أن المال الذي يكتسبه من استغلال المواطنين والتضييق عليهم في معيشتهم هي أموال حرام، فكيف ينفقه على أولاده وهم بلا شك أغلى ما لديه، وتذكيره بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به” والسحت هو الحرام الذي تغذى عليه كل جسم ولحم، فإنه يكون يوم القيامة في النار عقوبة له، وأن أكل الحرام يمنع من قبول الدعاء، كما في الحديث: “الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!”
وأن الله سبحانه وتعالى حرم المكاسب المحرمة وأمر بالأكل من الطيبات؛ حيث قال في محكم تنزيله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، وبلا شك فإن هذه المبادرة سوف توقظ ضمائر الكثيرين التي هي في سبات عميق خوفًا على فلذات أكبادهم من نار جهنم.