الفضاء الإلكتروني هذه الأيام يعج بشهادات لعلماء غربيين عن اللغة العربية واعجازها وعظمتها وتميزها وتفوقها على غيرها من اللغات ولفت نظري اتفاق معظم المتحدثين على أن هناك حربا حقيقية على اللغة العربية تحديدا وتصويرها على غير الواقع بأنها لغة صعبة وتعلمها ليس سهلا إلى جانب اتهامات غير منطقية أخرى بأنها ليست لغة علم أو ادب أو رومانسية أو بمعنى أخر غير حضارية!!
الاجمل ان هؤلاء الغربيون فندوا بأساليب علمية منطقية كل فرية وكشفوا عما وراءها وضربوا على ذلك أمثلة من وقائع التاريخ القريب والبعيد..في المقدمة أنها لغة حضارية بل إنها هي التى نقلت للأوروبيين حضارة اليونان والاغريق فهي لم تصلهم اولا أو لم يتعرفوا عليها إلا من خلال الترجمات العربية لارسطو وغيره. وكذلك علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا كلها مأخوذة عن العرب وباللغة العربية .. وقد ظلّت العربية بشهاداتهم أيضا ولقرونٍ عدة اللغة الحضارية الأهم في العالم وعلى الرغم من أنها من أقدم اللغات إلا أنها تتمتع بتراكيب وألفاظ متجددة في كل يوم كما أنها لغة ذات رسالة إنسانية عظيمة لأنها قادرة على أن تحتوي جميع العلوم ضمن مفرداتها بما فيها علوم المنطق والفلسفة والسياسة والتجارة والعلوم الطبية بالإضافة إلى الفن والأدب والتصوف لهذا هي لغة كاملة بدأت كذلك وبقيت كذلك إلى اليوم وهذا ما أكده مرارا العالم الفرنسي إرنست رينان بقوله:”اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر فليس لها طفولة ولا شيخوخة”.
تمنيت لو أن هناك جمعا وتوثيقها لهذه الشهادات ومعها يتم الكشف عن حقيقة ما يراد للعربية وأهل اللسان العربي .تعليم العربية يحتاج إلى وقفات ووقفات سواء لأهلها أو لغير الناطقين بها من أبناء المسلمين أو الأجانب غير المسلمين ..
تندهش حين تتابع تعليم اللغات الأخرى والحرص على إتاحة كل السبل وتيسير تعلم اللغة الانجليزية أو الفرنسية مثلا ليس فقط من خلال مراكز ومعاهد خاصة بذلك ولكن أيضا على شبكة الإنترنت وعلى الفضائيات برامج تفاعلية حية لكل المستويات وعلى مدار الساعة ومجانا..
تستطيع أن تكتب فقط تعليم الانجليزية .. ستجد مئات بل آلاف المواقع تأخذك إلى طرق عديدة ومبسطة وترسم لك خارطة طريق للتعلم واكتساب المهارة بسرعة .. يسألك سوالف بسيط . لماذا تريد تعلم الانجليزية مثلا أو بمعنى أدق ماذا تريد هل تريد اتقان اللغة .. هل تريد العمل .. هل تريد الترجمة .. هل ستزور دولة تتحدث الانجليزية هل تريد لغة الادب الشعر ام الاقتصاد ام السياسة والفنون وغير ذلك. كل شيء له برامج جاهزة تماما وهناك قسم للمبتدئين واخر للمحترفين.. إلى جانب طرق لقياس المهارة واكتساب اللغة ومعدلات ذلك بسهولة ويسر ..
أضف إلى ذلك برامج للنطق.. كيف تنطق الكلمات والجمل بشكل صحيح .. تستطيع سماع النطق الصحيح بحركة بسيطة من الماوس على الكلمة وتكرارها كيفما تشاء حتى تتقن النطق تماماً..إلى جانب التدريبات العملية السهلة وإنتاج أغان خاصة لتساعد في تعليم اللغة ونطق الكلمات والمصطلحات .. السؤال .. هل يوجد شيء مشابه خاص باللغة العربية ؟!
الجواب: بكل أسف لا لا لا.. الموجود تجارب لا يمكن مقارنتها مع ما يحدث مع الإنجليزية والفرنسية.. والمتميز منها مشروع تجاري غير متاح للراغبين وعشاق العربية ..
حدثني بعض الأصدقاء أن أبناء الجاليات العربية في الدول الأجنبية خاصة في بريطانيا يعكفون على برامج تعليمية خاصة وبداياتهم مبشرة جدا وترفع سقف الآمال على هذا الصعيد.. وهذا نابع من حبهم وغيرتهم على اللغة العربية وإيمانهم بضرورة أن يتعلمها أبناؤهم هناك بطريقة صحيحة وسهلة.
القضية الآن كيف نزرع حب اللغة العربية وكيف نشيع هذا الحب بين الأجيال كيف نقضي على فرية صعوبة اللغة والاتهامات الباطلة الأخرى ؟!هل هذا ممكن ؟!
الجواب :نعم وبكل بساطة طالما توافرت الإرادة والرغبة في العمل والصدق والإخلاص في الانجاز ..
فاعادة الاعتبار للغة لم تعد مسالة فيها خيار او محل تشاور ونظر بل أصبحت من الواجبات القومية الملحة والضرورية وليست مهمة فرد واحد او جماعة بعينها بل مهمة كلنا فيها مسئولون ومحاسبون خاصة والبلاد كل اليلاد تخوض معارك شرسة من اجل الحفاظ على الهوية والوطنية والانتماء وحب الأوطان..لاشك ان اللغة هي السلاح الأقوى والامضى والأكثر تأثيرا والراية التي لا يجب ان تخفت او تتوارى على جميع خطوط المعركة.
حب اللغة يبدأ من الاسرة مع اول هدهدة يتلقاها الطفل من أمه مع ما يسمعه باذنه في البيت في البيئة المصغرة من حوله من لغة سليمة من قران كرين من اغان راقية وكلمات مليئة بالكلمات وليس ما نعرف ويعف اللسان عن ذكره والاشارة اليه من كلمات هابط ومعان سافلة وايماءات دنيئة وغير ذلك لا يخفى على احد كيف اثرت على الوجدان العام وكيف افسدت الذائقة الفنية والأدبية بشكل مزعج ومريب..
الحب للعربية سيكون سهلا ميسورا مع حركة سريعة للتصالح والاصلاح في وسائل الإعلام وخاصة المسموعة والمرئية.لغة فصحى سهلة بسيطة ليست متقعرة ولامتكلفة.. هذه المصالحة خطوة مهمة في علاج التلوث السمعي الرهيب وتقديم رافد قوي للغة صحيحة كفيلة بتقويم أي لسان مهما كان عوجه!
يتطلب هذا إعادة النظر فيما يقدم من برامج عامة وباللغة خاصة وضرورة زيادة جرعة البرامج التى تهتم باللغة في أوقات استماع لها قيمتها وليس في الأوقات الميتة فقد كان للبرامج الإذاعية دورها في إشاعة حب اللغة كان هناك عددا من البرامج لا تزال علامات مضيئة قدمها كبار الاذاعييين وهل ينسى احد لغتنا الجميلة وقطوف الادب من كلام العرب او قال الفيلسوف ومعها الاعمال الدرامية والمسلسلات الأسبوعية او الشهرية بلغة رصينة وأداء راق رائع لممثلين كبار..
أن يكون أساتذة وعلماء لغة ضيوفا دائمين في وسائل الاعلام نحتاج فعلا ان نسمع ونستمتع بصوت والقاء علماء اللغة في برامجنا والافمن اين يتعلم الأبناء وغيرهم جماليات العربية ورقيها وما تحمله من اخلاق وقيم الى الإنسانية كلها !
.. في خطوات التصالح والمصالحة المهمة ضرورة اعادة الهيبة لأساتذة وعلماء اللغة ومحو عار سنوات استاذ حمام نحن الزغاليل.. وكذلك اصلاح حال المناهج التعليمية في مختلف المراحل من الروضة وحتى الجامعة مناهج كفيلة بتقويم اللسان وتدفع لحب اللغة العربية وادابها لا ان تنفر منها وتنشر الكراهية لها..
**يقول علماء اللغة والشريعة: “إنّ اللغةَ العربيّةَ من الدِّين ومعرفتها فرض وواجب، فإنَّ فهم الكِتابِ والسُّنةِ فرضٌ، ولا يُفْهما إلاّ باللغةِ العربيةِ، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ”.
من جميل ماقال امير الشعراء احمد شوقي في مدح العربية :
ان الذي ملأ اللغات محاسنا / جعل الجمال وسره في الضاد.
انا لقادرون.. والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com