في كل عام، تنقرض الآلاف من فصائل الحيوانات. فالحيوانات التي كانت تجوب سطح الأرض بأعداد كبيرة في زمن من الأزمان، آخذة في الاختفاء نهائيًا من على كوكبنا بوتيرة ينفطر لها القلب. يُقدِّر العلماء أن المعدل الحالي لانقراض الحيوانات قد تضاعف أكثر من ألف مرة عن المعدل المعتاد، وذلك بسبب عامل وحيد هوالبشر.
وأظهرت دراسة جديدة أن الحياة البرية في العالم قد تكون في مأزق أكثر مما أفاد العلماء حتى الآن .بينما قام العلماء بتقييم حالة أكثر من 147000 نبات وحيوان ، هناك الآلاف من الأنواع التي تعتبر “ناقصة البيانات” لإجراء تقييم كامل، نتيجة لذلك، لم يتم تضمين هذه الأنواع في القائمة الحمراء للأنواع المهددة أو المهددة بالانقراض ، والتي يتم تحديثها كل عام من قبل الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة .(IUCN)
إنّ الحياة في البريّة مُهدّدة بالاختفاء والتلاشي بسبب الأرقام الصادمة التي تتحدّث عن وفاة واختفاء أنواع مختلفة منها بحسب إحصائيات مُنظّمات الحفاظ على الطبيعة عام 2016 التي نُشرت على موقع ompe.org؛ إذ يُشير الإصدار الأخير من القائمة الحمراء العالمية إلى اختفاء نوع من الحيوانات كلّ 20 دقيقة من الأنواع المختلفة بواقع 26% من الثدييات و30% من أسماك القرش و42% من البرمائيات و13% من الطيور، وهذا الاختفاء الهائل يُسمّى بأزمة الانقراض السادسة التي تتسارع بشكل كبير وتُهدّد الحياة البريّة بالاختفاء؛ لتصبح الحيوانات مُجرّد صورٍ تذكارية في كُتب الأطفال في المستقبل، لكن هل يُمكن حمايتها عن طريق اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير أم أنّ هذه الاجراءات لا تتناسب مع الواقع؟، كلّ هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في مقالنا الحالي وفق نتائج أبحاث ودراسات مُؤكّدة.
وبالرغم من انقراض العديد من الحيوانات حول العالم أو تهديد بعضها الآخر بالانقراض فالإنسان لا يزال يتكاثر ويتطوّر بشكل كبير؛ إذ بلغ عدد سكان العالم عام 2016 قُرابة 7 مليار شخص، ومن المتوقع أنّ يصل العدد في حلول عام 2100 إلى 11 مليار تقريبًا بحسب تقرير للأمم المتحدة تمّ نشره عام 2013 والذي تمّ نشره على موقع opme.org، لكن هذه الزيادة السكانية تُشكّل خطورةً كبيرةً على البيئة وتهدّد حياة العديد من الحيوانات بالانقراض تبعًا لمجموعة من العوامل، والحقيقة أنّ حماية الحياة في البريّة مُمكنة بالفعل عن طريق اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير التي تضعها وتعمل عليها منظمات حقوق الحيوان ومنظمات حماية الحيوانات المُنتشرة في جميع دول العالم؛ إذ حقّقت هذه المُنظمات نتائجًا جيدةً في مجال حماية سُلالات فريدة مُهدّدة بخطر الانقراض ولا تزال جهودها مستمرةً للحفاظ على أنواع أكثر، لكن لتحقيق أفضل النتائج يجب تكاثف الجهود الفردية للمواطنين ونشر الوعي حول مخاطر انقراض الحيوانات وسنّ قوانين أشدّ صرامةً لتحقيق الغايات المطلوبة.
حماية الحياة في البريّة
الحقيقة أنّ موضوع حماية الحيوانات البريّة يحتاج لمجموعة من الإجراءات والقوانين لحمايتها ومنع انقراضها؛ ومن أهم الطرق الواجب اتباعها ما يلي:
نشر الوعي حول أهمية التنوّع البيولوجي: ذكرنا أنّ انقراض الحيوانات البريّة سيُؤثر مستقبلًا على وجودنا على الأرض؛ لذلك يجب توعية الأطفال منذ الصغر على ضرورة التنوّع البيولوجي وأهمية الحيوانات البريّة عن طريق وضع خطط دراسية وتعليمية مع الحرص على التدريب على حمايتها وتنظيم ورَش خاصة لذلك، وهذا من أجل نشر الوعي منذ الصغر وتحديد المخاطر المُحتملة في المستقبل، كما يجب نشر الوعي حول مخاطر شراء المنتجات المصنوعة من جلود وفراء الحيوانات المُهدّدة بالانقراض.
إنشاء منظمة عالمية لحماية البيئة: تعتمد معظم الدول على قوانين فردية لحماية الكائنات البريّة، لكن الأمر بحاجة إلى سنِّ مجموعة من القوانين الدولية المُوّحدة وتطبيقها بشكل دقيق على الجميع، مع الحرص على إنشاء مدونة عالمية تهتم بالأنظمة البيئية المختلفة وتُراعي تنوّعها.
إنشاء بنك جينات عالمي: يُمكن من خلالة إنقاذ بعض السُلالات عن طريق جمع حمضها النووي والاحتفاظ به داخل مكتبة أو بنك عملاق لإعادة إنتاجها مستقبلًا؛ إذ تمّ تطوير الوسائل التكنولوجية.
حماية الحيوانات بطرق أكثر تطورًا: في ظلّ زيادة التهديدات على الكائنات البريّة المتنوعة لم يعد من المُمكن استخدام وسائل الحماية السابقة؛ مثل وضع الحرس أو غيرها من الطرق التي يتم اختراقها من أجل الحصول على الحيوانات؛ إذ يُمكن الاستعانة بالطائرات بدون طيّار لمراقبة المساحات الشاسعة وحمايتها من الصيادين، كما تستطيع هذه الطائرات توجيه الحيوانات بُطرق معينة إلى الأماكن الأقلّ خطورة، وهذا الحلّ فعليًا يُستخدم في بعض الدول مثل تنزانيا وكينيا، وقد حقّق نتائجًا مُرضيةً في انخفاض عمليات الصيّد الجائر؛ إلّا إنّ الأمر بحاجة للمزيد من التطوير وتوسيع استخدامها في الدول الأُخرى.
تدريب الحراس بالشكل الصحيح: يجب تدريب العاملين في مجال حراسة المحميّات على مواجهة المخاطر المُحتملة، بالإضافة إلى تزويدهم بالمعدّات الضرورية لمواجهة أيّ خطر، كما يجب تأهيل عدد كبير من الحرّاس المجهزين ليلًا نهارًا.
إنشاء المحميات الطبيعية: تنتشر المحميّات الطبيعية حول العالم لكنّها لا تُحقّق النتائج المطلوبة؛ بسبب نقص القوانين الرادعة ونقص طُرق الحماية؛ لذلك لا يكفي فقط إنشاء المحميّة بل يجب استخدام أفضل التقنيات وأحدثها لحمايتها بشكل أكبر.
ما هي أهمية حماية الحياة في البريّة؟
الحقيقة أنّ حماية الحياة في البريّة لا يعتبر أمرًا جماليًا أو اختياريًا، بل هو ضرورةٌ حيويّةٌ للبقاء على سطح الأرض؛ إذ إنّ انقراض أنواع معينة يُسبب كسر العديد من السلاسل الغذائية وبالتالي موت كائنات أُخرى وصولًا إلى الإنسان في المرحلة الأخيرة، ولعلّ هذه الآثار لا تظهر في الوقت الحالي؛ إلّا إنّها ستظهر جليّةً في المستقبل؛ لأنّ الكائنات الحيّة على وجه الأرض مرتبطة معًا بسلاسل وعلاقات منظمة والإنسان جزء من هذه الأنظمة؛ ومن الأمثلة على ذلك تلوّث البحار والمحيطات بالمخلّفات البلاستيكية يُسبب تلوث لحوم الأسماك بالمواد السامّة التي ستنتقل أخيرًا إلى جسم الإنسان، وهذا مثال بسيط على سلسلة غذائية موجودة في النظام البيئي. أيضًا من الأمثلة على ذلك التأثيرات على النحل التي تُقِلّ أعدادها في العالم، وهي كائنات تعمل على تلقيح الأشجار والنباتات المتنوعة؛ ممّا يعني أنّ انقراضها سيُسبب اختفاء الفاكهة في يوم من الأيام، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة لكنها جميعًا تصبُّ في اختفاء الموارد الغذائية للإنسان وبالتالي موته.
المخاطر الأساسية التي تُهدّد الحياة البريّة؟
التلوّث البيئي: تتأثر الكائنات البريّة بمجموعة من أنواع التلوّث الناتجة بالمُجمل عن النشاطات البشرية، التي يُمكن إجمال أنواعها فيما يلي:
التلوّث الصناعي: وهو التلوّث الناتج عن المخلّفات النووية والغازات المنبعثة من الأنشطة الصناعية.
التلوّث الكيميائي: الناتج عن النفايات الطبيّة والمُبيدات الحشرية والأسمدة.
التلوّث البصري: استخدام الإضاءة الصناعية يُؤثر سلبًا على الإيقاع البيولوجي للحيوانات الليلية ويُعطّل دوّرتها الطبيعية.
التلوّث الضوضائي: والمُتمثّل في الضجيج الذي يُؤثر سلبًا على الحيوانات التي تستخدم الاتصال الصوتي.
الإفراط في استغلال الموارد: الزيادة السكانية تُسبب استنزاف الموارد البشرية المتنوعة بشكل مُفرط؛ ممّا يُهدّد بإفراغ المُحيطات من سكانها واستنفاد مصادر الطاقة والثروات الحيوانية المتنوعة، الأمر الذي سيترك الأرض فارغةً تمامًا من مواردها في المستقبل.
الاحتباس الحراري: ارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة الغازات في الغلاف الجوي نتيجة الاستخدام المتزايد للوقود الأحفوري واستخدام الأسمدة في الزراعة والتدمير الهائل للغابات وتربية الماشية بشكل مكثف، إلى جانب العديد من الأنشطة البشريّة التي تزيد مخاطر الاحتباس الحراري وتُسبب مجموعةً من المشاكل البيئيّة؛ أهمّها:
ذوبان الجليد وتناقص كميته؛ التصحّر؛ ارتفاع مستوى سطح البحر بفعل ذوبان الجليد؛ وزيادة الكوارث الطبيعية.
موت الدب القطبي؛ لأنّه يعيش في الجليد ويحتاج للثلج لإمساك الفقمات، وذوبان الجليد يُسبّب اختفاء الدب القطبي بسبب نقص الغذاء.
تدمير الموائل الطبيعية: يعمل الإنسان على تحويل الغابات إلى منشآت سكنيّة وصناعيّة تُواكب الزيادة السكانية، وهذا يُسبب انحدار الغابات ويُقلّل الموائل الطبيعية مُسببًا اختفاء بعض الكائنات فيها؛ مثل اختفاء السافانا الأفريقية وهي مكان مُخصّص للأفيال لصالح المحاصيل الزراعية، كما يموت الكنغر في أستراليا بسبب حوادث السيارات، فضلًا عن أن الرعي الجائر يُقلّل من المصادر الغذائيّة الضروريّة للنحل.
الصيد الجائر: لعلّ أكبر التهديدات المُؤثرة على الحيوانات تتمثّل في صيد الحيوانات البريّة لأسباب مختلفة، وهذا يعني القضاء عليها وعدم الاكتفاء بإنهاء مواردها الغذائية فقط، ولعلّ من أهم الكائنات المُعرّضة للصّيد هو حيوان وحيد القرن، الذي يتم بيع لحمه في السوق السوداء بمبلغ يتراوح بين 20000-51000 يورو للكيلوغرام الواحد، كما أنّ بعض الحيوانات يتم صيّدها للتجارة بجلودها وفرائها لصنع الأزياء المتنوعة والحقائب والزخارف العاجيّة؛ ومن الحيوانات المُهدّدة بذلك الثعابين والطيور والببغاوات والأفيال.
تناول لحوم الحيوانات البريّة: في بعض الحالات يتم اصطياد الحيوانات البريّة لتناول لحومها؛ ومنها أسماك القرش والقرود والغزال والسلاحف، وغيرها من الحيوانات الغريبة المُهدّدة بالانقراض بسبب استباحة لحمها بطرق جائرة وغير عادلة.
الاستخدامات الطبيّة: كثيرًا ما تُستخدم الحيوانات في صناعة العلاجات والأدوية المتنوعة، خصوصًا في وصفات الطب التقليدي؛ إذ يُستخدم قرن وحيد القرن المسحوق في علاج مجموعة من الأمراض في الطب الصيني التقليدي، كما تُستخدم عظام النمر في علاج أمراض الروماتيزم والالتهابات المرتبطة بها؛ حيث يتم الحصول على هذه الأعضاء وغيرها بطرق غير مشروعة لمنظمات مُعيّنة مُتخصّصة في الاتجار بأعضاء الحيوانات البريّة، وهذا يُسبب انقراض أنواع متعددة واختفائها بالكامل.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم