نعم ليس فقط اللى خلف مامتش كما يقال ولكن أيضا اللى اتجوز مامتش، ، كانت هذه هى العبارة التى وردت على خاطرى وأنا أجد منذ يومين على مكتبى رواية زهرة الصبار التى كانت فعلاً مفاجأة جميلة وغير متوقعة، خاصة عندما عرفت أن مؤلفتها هى نور الغادة زوجة زميلنا الراحل الجميل محمد أبوذكرى مدير تحرير الأخبار ، كيف يموت من اختار مثل هذه الفنانة والكاتبة الرقيقة رفيقة لمشوار دربه فى الحياة وعالم الصحافة والإعلام والأدب والكتابة ولعلها المرة الأولى فى التاريخ التى تنتقل الجينات الوراثية من رجل لشريكة حياته ، فكانت تلك العبارة البليغة الصادقة التى بدأت بها نور الغادة روايتها وهى تهديها لحبيبها أبو ذكرى: «كم تمنيت أن تخط يداك الإهداء لى على صفحات كتابك لكن لا بأس فأنت لم تترك القلم بعد، ، إنه مازال بيدك التى تحيط بيدى لتنبع كلماتى من قلبينا معاً ، فلتسكن محراب قلبى آمناً لتكون مداداً لنبض كلماتي.. وحتى ألقاك».
يا لروعة الكلمات ورشاقة التعبيرات، من يعرف أبو ذكرى جيدا ً(رحمه الله) يشعر مع أول صفحات الرواية وكأنه بالفعل قد أمسك بيد زوجته لتخط بفكره وروحه تلك السطور الرائعة، أو ربما ما كنا نظنه مبالغة قد تحقق بالفعل وتقمص قلم غادة روح رفيقها الراحل فجاءت سطورها للشعر أقرب منها للكلام وللأساطير أقرب منها للروايات الواقعية رغم تأكيد الكاتبة أن الرواية عن أحداث حقيقية ، لم تتخف نور الغادة وراء أسماء وهمية لتعرض رواية عمرها بل جاءت روايتها بأسماء أبطالها الحقيقيين ، أحداث الرواية تدور منذ أن أهدى أبو ذكرى بطلتنا كتاب «الأوديسًة» ودسً بين صفحاتها زهرة صبًار، كان قلبها يحدثها بإنه كان يحمل رسالة خاصة لقلبها ومع ذلك لم تستطع أن تجزم، خاصة أن بطلها اكتشف وهو فى بداية حياته العملية بالصحافة أنه مصاب بثقب فى القلب يستلزم تدخلاً جراحياً عاجلاً، وكأن القدر قد أجرى ذلك الاختبار حتى تتمكن غادة من ضخ دمائها فى عروق أبو ذكرى وهما فى بداية تعارفهما، حيث احتاجت عملية القلب المفتوح العديد من أكياس الدم، وعندما تعافى البطل وبعد أن حمد الله تعالى، أراح قلب الغادة عندما سألها فى أول اتصال تليفونى لها به عقب خروجه من العمليات: لسه معرفتيش مين هى زهرة الصبار؟، فلم تستطع الرد إلى أن همس بالإجابة: زهرة الصبار هى حبيبتى اللى صبرت عليا وحاسس إنها لسه حتكمل معايا رحلة الصبر لسنين طويلة، زهرة الصبًار هى أنتِ حبيبتى.
تشعر وأنت تقرأ رواية نور الغادة «زهرة الصبًار» انك طرف ثالث وشاهد عيان على كل حواراتها هى وبطلها، الصدق الشديد فى الكتابة جعل الرواية وكأنها مجموعة من المشاهد المتحركة تم تصويرها على شط إسكندرية وكافيهاتها وشوارعها، تسمع صوت ارتباك غادة فى لقائهما الأول فى «ديليس» الذى لم يكن مكانها المفضل، حيث وافقت على اقتراح أبو ذكرى أن يطلب لها «ليمون» رغم انها لا تحب شرابه فقط خوفا من أن تخسره، فقد كان الليمون رغبته التى لم تستطع رفضها حتى لا يشعر بأن رغبتها تتعارض مع ما يريد، ثم ثورتها على ضعفها واستكانتها فى «تريانون» الذى أصرت أن يكون اللقاء فيه الساعة الخامسة وليس السادسة فى «ديليس» كما اقترح أبو ذكرى ، كانت غادة قد بيتت النية وهى تقدم له هدية عيد ميلاده أن تعيد محمدا سيرته الأولي، الصديق الذى يفهمها دون أن تشرح شيئاً، وأن تعود هى الكيان الذى يكمله ويكون لقلبه صاحب وليس تابعاً، لذا تكلمت هى وصمت هو: وعلشان تكون الرحلة ناجحة لازم يكون الطريق واسع والخطاوى لبعض مكملة أو يكون الانسحاب وكل واحد يمشى طريقه لوحده عارف سكته، أنا حمشى ومش عايزاك ترد عليً دلوقتي..سافر فكر وقرر.. يا إما تكون البداية أو تكون نهاية الطريق، ثم كانت المفاجأة ذلك الاتصال الذى تلقته منه فور وصولها للمنزل وهى التى أمهلته أسبوعاً للرد: فجاء صوته هامسا: تسمحى لى آجى أخطبك؟ فردت قائلة: انت مجنون ما احنا مخطوبين، فقال لها: لأ انا كنت مجنون وخطبت واحدة مكنتش فاهمها.. هى رجعت لى عقلى لكنها سرقت قلبي..ممكن آجى أخطب صديقتى اللى كانت حتضيع منى؟.
شكراً لكِ نور الغادة على هذه الرواية البديعة زهرة الصبارً الصادرة عن دار المسك للنشر والتوزيع فى أكثر من أربعمائة صفحة فاخرة والتى أتوقع لها أن تكون عروس روايات معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام، وشكرا لك يا صديقى الغائب الحاضر دوماً محمد أبو ذكرى الذى يثبت لنا دائماً أنه لم يرحل ابداً عن دنيانا وأنه سيبقى ما بقى فى الحياة قبس من «نور»! .