لماذا يفرح الفريق الذى يحتسب له الحكم ضربة جزاء خلال المباراة فرحًا شديداً، وتجد جماهير ذلك الفريق يحتفلون ويهيصون فى المدرجات وأمام الشاشات، فى الوقت الذى يحزن فيه الفريق الآخر حزنًا شديدًا وتضع جماهيره يدها على قلبها حتى يتم تنفيذ الضربة التى يتمنى الفريق المحتسبة له أن تعانق الشباك بينما يتمنى الآخرون أن يخفق المسدد لها؟ وجدت نفسى اسأل نفسى هذا السؤال محاولا الوصول لإجابة مقنعة لها قبل أن أحاول إقناع حضراتكم بها. وبعد حيرة وتردد قررت نشر تفاصيل ما فكرت فيه لعل يكون لدى أى منكم اضافة أو تفسير آخر مغاير تمامًا لما توصلت إليه.
وحتى أتبع الأسلوب العلمى فى التفكير قررت اولًا استعراض ظروف المباراة. هذان خصمان اختصموا لأرضية الملعب. كل فريق مكون من حارس مرمى وخط دفاع وخط وسط ومهاجم مهمته الأساسية إحراز الأهداف. كل خط من هذه الخطوط يقوم بالتخديم على المهاجم حتى يلقى بالكرة فى شباك مرمى الخصم. ذلك المهاجم الذى يقف غالبا فى ملعب الفريق المنافس محاولاً عدم الوقوع فى مصيدة التسلل منتظرًا وصول الكرة إليه بعد أن تمر من حارس مرماه إلى المدافعين ثم خط الوسط. هذا يعنى أن هناك جيشًا عرمرمًا يقوم بالتخديم على هذا المهاجم والهداف الذى لن يكون طريقه سهلًا فى الوصول لمرمى الخصم. بالطبع لا يعنى أن تصل الكرة إليه من زملائه أنه ضمن احراز الهدف، حيث عليه أن يواجه جيشا آخر من فريق الخصوم. لابد أن يمرق كالسهم من بين كتيبة المدافعين حتى يجد نفسه وجهًا لوجه أمام حارس مرمى المنافس ليرسل الكرة على يمينه أو يساره، من فوقه أو من تحته. وفى المقابل هناك حارس مرمى يقف أمامه عشرة من الزملاء هدفهم ليس فقط إحراز الأهداف فى الخصوم، ولكن قبل ذلك منع أى مهاجم من الانفراد به وجهًا لوجه.
وهنا مربط الفرس الذى يضفى على ضربة الجزاء كل تلك الأهمية. فنحن أمام مهاجم يمسك الكرة بيده ويتوجه بها إلى نقطة الجزاء ليضعها فوق الدائرة، فهو قاب قوسين أو ادنى من احراز هدف مضمون دون تعب يذكر. لم ينتظر الدورة العادية للكرة حتى تصل إليه فى غابة من السيقان عليه أن يتعامل معها، بل وصلت إليه سهلة «مقشرة» كما نقول فى لغة كرة القدم. على الجانب الآخر هناك حارس مرمى سيكون مطالبًا بالاعتماد فقط على نفسه دون عوامل مساعدة. لا أحد هناك سيحاول منع الخصم من الوصول إليه. سيتنحى كل معاونيه جانبًا ويتركونه وحده أمام المهاجم الذى يسدد الكرة. تتعطل كل الخطوط التى كانت تقف أمامه مدافعة عنه وسيكون عليه فقط أن يعتمد على موهبته وحسن توقعه وإدراكه للموقف. وكذلك هو شعور المهاجم الذى جاءته اللحظة التى يحلم بها، فهو طيلة تسعين دقيقة ربما لم يفلح فى الوصول ليواجه مرمى الخصم وجهًا لوجه، لكن عليه فى لحظة ضربة الجزاء أن يدرك أنه لا يملك فى تلك اللحظة سوى موهبته وإمكانياته التى من المفروض أن تكون هى التى أهلته لتلك المكانة. لحظات وسيعرف جميع من يشاهدون المباراة ما إذا كان هذا المهاجم قد وصل لتلك المكانة عن جدارة واستحقاق أم أنها رمية بغير رامٍ قذفت به لذلك الموقع. هل هو موهوب فعلًا أم أنه مجرد شخص فقط محظوظ يعتمد على قدرته فى التحايل والخداع والأساليب الملتوية حتى يقنع الآخرين بما هو غير أهل له؟!
لذا فضربة الجزاء هذه كاشفة للحقيقة، فاضحة للمدعين، فاقدى الموهبة الذين يعتمدون على التواجد وسط الهيصة والزحمة، فإذا ما جاءتهم الفرصة الحقيقية تبين كذبهم وعدم استحقاقهم لتلك المكانة. ففى المواجهة بين المهاجم وحارس المرمى، يكون البقاء فقط ودائمًا للأصدق وللأجدر حتى وإن طال الخداع!
Hisham.moubarak.63@gmail.com