لأول مرة لا أضيق ذرعًا بالسوشيال ميديا وهى غارقة بصور أغلفة الكتب التى كان لها نصيب فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام. بالعكس اعتبر هذه الصور المنتشرة لحفلات التوقيع والندوات التى شهدتها أجنحة ظاهرة ايجابية جدا تعيد لنا بعض الأمل المفقود فى زحمة مجموعة من الظواهر السلبية التى غزت مجتمعنا فى السنوات الماضية ومن ثم غزت السوشيال ميديا التى أصبحت تعبر بحق عن تلك الظواهر المجتمعية الخطيرة. وإذا كنا حريصين على تسجيل كل ما يمر بنا أو حتى يعن لنا لحظة بلحظة على السوشيال ميديا, فمن باب أولى ان نسجل تلك اللحظات المفرحة حيث أصبح مجرد زيارة معرض الكتب فى هذه الظروف الاقتصادية إنجاز كبير حتى لو لم هناك إقبال كبير على الشراء. يكفى جدا أن يشم الناس رائحة الكتب يستنشقوا هواء نظيفًا غير ملوث.
عشق المصريين للكتب قديم جدا، ومهما كانت الظروف يفاجئنا جمهور القراء كل عام بهذا الإقبال الكبير على معرض الكتاب. يعجبنى جدا مشاهدة الأسر المصرية وهى حريصة على اصطحاب أبنائها للمعرض والتجول بين أجنحته. نحن نحتاج جدًا أن يفهم كل مصرى مهما كان عمره قيمة الكتب ومعناها، اصطحاب الأطفال فى جولات بين أجنحة المعرض لا يقل أهمية عن حرص كل اسرة على الخروج بأطفالهم للمصايف والمنتزهات. وإذا كنا نستدين أحيانًا لتدبير مصاريف المصيف حتى لا نحرم أطفالنا من هذه الرحلة السنوية المشروعة فالأولى أن نستدين لشراء الكتب لأولادنا، حرص كل اسرة أن تجد لأطفالها كوب نظيف من الحليب أو تختة فى مدرسة أو مستشفى آدمى للعلاج. تربية الأطفال ذهنيًا لا تقل أهمية عن كل تلك الأولويات بل تفوق عليهم من وجهة نظرى. فالعقل السليم فى التربية السليمة منذ الصغر. ولو فهم أطفالنا ان الكتب تتفوق على ما عداها من متطلبات الحياة لخرجنا أجيال قادمة محصنة ضد أى أفكار غريبة هدامة ومهيأة كذلك للتعامل مع أى ظروف اقتصادية تمر بها كما هو الحال حاليًا أو حتى لو كانت الظروف المقبلة أصعب جدًا كما يتوقع خبراء المال والاقتصاد.
لا توجد تحت يدى أى احصائيات دقيقة عن زوار معرض الكتاب الذى يغلق أبوابه اليوم ولا عن حجم المبيعات أو قيمتها المادية,الأهم من وجهة نظرى هو ذلك الإقبال الكبير جدا من جميع فئات الشعب على زيارة المعرض. شاهدت بعض الصور من داخل المعرض يوم الجمعة الماضية تؤكد اننا شعب ندرك تمامًا معنى الكتابة وقيمة الكتب، زحام كبير جدا لم نعد نشاهده فى مصر كثيرًا إلا فى مباريات كرة القدم وحتى هذه لم تعد ترحب كثيرا بالجماهير الغفيرة مما أفقدها كثيرا من معناها. لذا كان هذا المشهد الجميل من داخل معرض الكتاب يستحق أن نضعه فى صدر الصفحات الاولى من كل الجرائد والمجلات.فالمصريون لا يقفون فقط فى طوابير أمام محل فراخ يبيع الفرختين بمائة جنيه ولكنهم يقفون فى بنيان مرصوص لدخول معرض الكتاب حيث الفسحة الحقيقية للنفس بين سطور الكتب ورفوف المكتبات.
لا يفوتنى هنا أن أشيد بهؤلاء الناشرين الذين حرصوا على التواجد فى معرض الكتاب بكل ما هو جيد وجديد. كلنا يعرف الظروف التى تمر بها صناعة النشر من ارتفاع باهظ فى تكلفة الإنتاج والطباعة وسعر الورق الذى يرتفع يوميا, ومع ذلك تجد هناك ثلة من الناشرين الذين يؤمنون بأهمية هذه الصناعة,لا أقول أنهم تركوا جانبا حسابات المكسب والخسارة المادية ولكن يقينى أنهم تنازلوا عن جزء من أرباحهم التى كانوا يحققونها فى الظروف الطبيعية وفضلوا الاستمرار فى هذه الرسالة الهامة التى لا تقل فى أهميتها عن الرسالات السماوية التى غيرت مجرى البشرية. فطوبى لكل ناشر لا يزال قابضا على جمر المعرفة ونشر الوعى. وكل معرض كتاب وأنتم بخير.
Hisham.moubarak.63@gmail.com