في كثير من الأحيان ونتيجة للتربية الخاطئة نجد الرجل لا يحس باكتمال رجولته إلا ضرب وخاصم ليقول عنه محيطه بأنه رجل شديد قوي مع زوجته وأهله , مع أن الرجولة قطعاً لا تكون في ممارسة العنف والقوة ضد الضعفاء وخاصة أهل بيتك الذين هم أمانة في عنق الرجل .
غياب الرادع :
العنف سيزيد ويكبر بالقدر الذي يسمح به المجتمع والنظام , نعم المجتمع قد يسمح بالعنف والنظام كذلك , وذلك عن طريق السكوت وعدم الأخذ بيد الذي يمارس العنف وردعه , فالمجتمع من خلال سكوته على حالات العنف التي تنشر في الصحف و والمجلات وكافة وسائل الإعلام إنما يعطي فرصة لبقية ممارسي العنف ليتمادوا لأنهم يعلمون أن المجتمع لن ينبذهم .
وعلى نفس الطريق بل واهم يسير النظام , فالنظام يمثل أكبر رادع للعنف الأسري لكن في بلادنا بالذات لا توجد عقوبات رادعة بل يوجد تحذيرات من المشايخ الفضلاء مع أنه هناك أصناف من الناس لا تنفع معها إلا العقوبة , ولقد فهمت الدول المتقدمة دوره فأصدرت أنظمة خاصة بالعنف الأسري وفي وقت قريب أصدرت المملكة الأردنية نظام العنف الأسري فسدت بابه وقوت سند وحجج المتعرض له , ونأمل من مملكتنا إصدار مثل هذه الأنظمة لتسد هذا الباب الذي هو كل يوم في ازدياد للأسف الشديد .
الثقافة القبلية :
بعض القبائل التي لم تسكن المدن إلا في وقت قريب أو لا زالت تجوب الصحاري تغرس معتقدات تلقنها وتؤسس عليها رجالها و أطفالها تكون عامل مهم في حدوث الضغط النفسي والقهر تجاه المرأة حيث تنظر بعض القبائل البدوية إلى المرأة وكأنها مخلوق خلق للخدمة والطاعة دون أي حق أو أي رحمة فيمارس ضدها شتى أنواع العنف وخاصة النفسي حيث لا سند ولا احتواء ولا حنان والمصيبة الأكبر أن المرأة تجاه كل هذا تشعر أن ما يحصل هو أمر طبيعي وأنها فعلا خلقت لذلك الغرض .
فيغرس منذ الصغر في نفس الطفلة بأنها مخلوق ضعيف ويحتاج للحماية دائما، بينما يربى الطفل الذكر على أنه القوي الذي يستطيع اتخاذ القرار، لذلك نرى الفتاة عندما تواجه أي محنة تبدأ بالبكاء على عكس الولد الذي يعرف مسبقا أن البكاء ضعف لا يليق به فهو القوي صاحب السلطة.
الأسباب الاجتماعية :
الفرع الأول : تعاطي المخدرات وإدمان الكحول :
الإدمان هو أكبر وأول وأهم مسبب للعنف الأسري في كافة المجتمعات أيا كان نوعها فقد أثبتت الدراسات على مستوى العالم الغربي والعربي أيضاً وبما فيها السعودي حسب مقال في جريدة الوطن يوم الأربعاء الموافق 5 ربيع الآخر 1427هـ أن أبرز المسببات للعنف الأسري وأكثرها انتشاراً هو تعاطي الكحول والمخدرات . وهذا ما أكدته الدكتورة الجوهرة العنقري رئيسة لجنة الأسرة بجمعية حقوق الإنسان حيث أوضحت أن من أهم الأسباب التي تدفع ممارسي العنف لاستخدامه هو تعاطي المخدرات .
فمن الطبيعي عندما يغيب الشخص عن وعيه ويذهب عقله من جراء هذه التعاطي أن يفعل أي شيء لا يقبله عقل ولا دين ولا منطق ومن البديهي أن يكون المتعرض الأول لتبعات هذا الإدمان هم أفراد الأسرة الذين يعانون من تصرفات الشخص المدمن فقد يضربهم يعذبهم يحبسهم وقد يصاب الأطفال بالخوف الهستيري الشديد من جراء رؤيتهم للمتعاطي بهذه الصورة .
أن العلاقة بين العنف الأسري والإدمان أياً كان نوعه هي علاقة متبادلة وكل منهما يعتبر منشئاً للآخر , فمن مسببات الإدمان المشكلات الأسرية وتفكك الأسرة وفي نفس الوقت من مسببات العنف الأسري الرئيسية كما أشارت أغلب الدراسات وكما وجهنا دكتور جبرين الجبرين هو تعاطي المخدرات والإدمان والأمراض النفسية . فالعلاقة بينهما متبادلة وكل منهما يسبب الآخر .
النظرة الدونية للمرأة :
جاء الإسلام وألغى التفرقة العنصرية بين جميع البشر وجعل ميزان المفاضلة بينهم هو التقوى فلا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا رجل ولا امرأة إلا بتقواهم وعبادتهم الخالصة لله سبحانه وتعالى , ولكننا وللأسف بدأنا نعود للجاهلية بسبب أفعال وأقوال بعض السفهاء الذين نشروا هذه النظرة بين شبابنا وأسسوهم عليها وهي النظر للمرأة نظرة محقرة وبأنها مخلوق أقل من الرجل بل وبأنها مخلوق قذر !! فمثلا يقال في المجالس : “حرمة … الله يكرمك” وغيرها من العبارات التي تنقص من شأن المرأة وعلو قدرها أولم يعلم هؤلاء الجهلة الذين يتشدقون بمثل هذه العبارات أنه لولا المرأة لما كان هناك رجل ولم يعلم هؤلاء أن المرأة “إنسانة” لها كافة الصلاحيات التي للرجل من شؤون الحياة تنطبق عليها كافة التشريعات والقوانين مثلها مثل الرجل وأن المرأة أصبحت تضاهي الرجل في الكثير من المجالات بل تتفوق عليه أحيانا وربما دائما ؟! فالمرأة نصف المجتمع ولكنها تعاني من تسلط النصف الآخر فهو يريد للتجبر والسيطرة أن يستمرا .
الضغوط الاجتماعية :
من الطبيعي أن تتأثر البيئة بما يحصل في واقع المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه , ومن المتوقع مع زيادة أعباء الحياة وتعقُّد الحياة المعيشية أن تنشأ ضغوط متعددة مع توتر العلاقات البينية للمجتمع في المحيط الأسري بشكل أخص, ولا يعني هذا بشكل من الأشكال تبرير قضايا العنف والإساءات السلوكية للمجتمع أو الأسرة . ولكن الشخص عندما يتعرض للضغط والمشاكل سواء في العمل أو المنزل أو محيط الأصدقاء كذلك عندما يتعرض للضغوط المالية خاصة إذا كان في حال فقر شديد سوف تسبب له الإحباط وبالتالي وكأي شخص طبيعي سوف يبحث عن متنفس ولن يخرج المتنفس في الغالب عن ممارسة العنف ضد أفراد أسرته حتى يشعر بالراحة بحسب تفكيره واعتقاده ولكن النتيجة بدل أن يكون الضغط موجها له فقط أصبح موجها لكل العائلة فتنشأ بالتالي أسره ذات نفسيه غير سليمة أو سوية غير قادرة على العطاء والإنتاج .
ويؤيد قولنا هذا النظرية النفسية الاجتماعيةtheory psychosocial فمفاد هذه النظرية ” أن الضغوط الاجتماعية social stress لها دور بارز في ارتكاب العنف، فالمؤيدين لهذه الفكرة يربطون بين المسؤوليات المتزايدة للرجل والسلوك العنيف، كما يؤكدون على دور البطالة والفقر وانعدام فرص الحياة في تشكيل الضغوط على الشخص مما يزيد بدوره من احتمالية ممارسته للعنف. ويؤكد بعض المؤيدين لهذه النظرية على وجود نوعين من الضغوط هما :
1_ضغوط أحداث الحياة غير السارة وضغوط العمل والأدوار المختلفة كمثيرات قد تدفع إلى السلوك العدواني، وقد أكدت دراسات على العلاقة المباشرة بين الضغوط الحياتية غير السارة وبين السلوك العنيف كما يبدو في ارتكاب جرائم العنف، أما الدراسات الحديثة فقد أكدت على الأثر السلبي للضغوط الحياتية غير السارة التي يتعرض لها الفرد وبين العنف وذلك في ضوء متغيرات وسيطة تتمثل في الاستعداد الوراثي، والخبرات المتعلمة في الماضي، وطبيعة إدراك الشخص للموقف وما يتضمنه من أخطار.
2_الضغوط البيئية المتمثلة في الضوضاء والازدحام والتلوث والطقس، وضغوط أخرى كاختراق الحدود الشخصية والاعتداء على الحيز المكاني والشخصي والازدحام السكاني، حيث تؤدي هذه المؤثرات البيئية إلى زيادة العنف من خلال ما تحدثه من آثار نفسية أو سلوكية، ويتم ذلك وفقا لمستوى استثارة الشخص، وحالة التشبع بالمثيرات، والإحباط الناجم عن هذه الضغوط، والقدرة على ضبط النفس، ودرجة القلق. “
نظرية التعلم :
هناك احتمال كبير حول انتهاج الشخص الذي عانى من العنف نفس النهج الذي مورس ضده، الأمر الذي يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية حيث أرى كباحثة أنه عندما يشب الشخص في بيئة يرى فيها مجتمعه من أهل وأقارب وحتى عادات مجتمعية تمارس العنف بشكل أو بآخر وترى أنه من الأفعال الغير مستهجنة وخاصة عندما يرى الطفل أباه يمارس العنف ضد والدته أو إخوته فإنه من الطبيعي جداً أن يمارس أعمال العنف التي تعلمها من مجتمعه وبالأخص أسرته .
وأرى في نظرية التعلم الاجتماعي social learning theory ما يفسر قولي حيث تفترض هذه النظرية أن الأشخاص يتعلمون العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى، وأن عملية تعلم العنف تتم داخل الأسرة سواء في الثقافة العامة أو الفرعية. فبعض الأسر تشجع أبناءها على استخدام العنف مع الآخرين، وتطالبهم بألا يكونوا ضحايا للعنف في مواقف أخرى، والبعض ينظر إلى العنف كوسيلة للحصول على حاجاتهم، بل أن بعض الأسر يشجعون أفرادها على التصرف بعنف عند الضرورة، ومن أهم الفرضيات التي تقوم عليها هذه النظرية:
1_إن العنف الأسري يتم تعلمه داخل الأسرة والمدرسة ومن وسائل الإعلام.
2_إن كثيرا من السلوكيات العنيفة التي يمارسها الوالدين تبدأ كمحاولات للتأديب والتهذيب.
3_إن سلوك العنف يتم تعلمه من خلال العلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء، وخبرات الطفولة المبكرة.
4_إن إساءة معاملة الطفل تؤدي إلى سلوك عدواني تبدأ بذوره في حياته المبكرة، وتستمر في علاقته مع أصدقائه وإخوته ووالديه ومدرسيه.
5_إن أفراد الأسرة الأقل قوة يصبحون أهداف للعنف.
وقد أظهرت العديد من الدراسات أن الأفراد الذين يعيشون في أسر يسودها العنف كانوا أكثر عدوانية في تصرفاتهم، فالأزواج الذين يشبون في أسر يسودها العنف يكون احتمال ضربهم لزوجاتهم عشرة أضعاف الأزواج الذين لم يمروا بهذه الخبرة، والأطفال الذين يمارس العنف معهم هم أكثر عنفا من غيرهم .