قيل لأبي بكر المسكي: «إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام فما سببه؟ فقال: والله إن لي سنين عديدة لم أستعمل المسك، ولكن سبب ذلك أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها، وأغلقت دوني الأبواب وراودتني عن نفسي، فتحيرت في أمري، فضاقت بي الحيل، فقلت لها: إن لي حاجة إلى الطهارة، فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة، ففعلت، فلما دخلت بيت الراحة أخذت العذرة وألقيتها على جميع جسدي، ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة، فلما رأتني دهشت، ثم أمرت بإخراجي، فمضيت واغتسلت، فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام يقول لي: فعلتَ ما لم يفعله أحد غيرك، لأُطيبن رِيحك في الدنيا والآخرة، فأصبحت والمسك يفوحُ مني، واستمر ذلك إلى الآن .
فعليك أخي بالعفة، فعدمها يعفي على جميع المحاسن ويعري من لبوس المحامد، ومن اتسم بسمة العفة قامت العفة له بحجة ما سواها من الفضائل، وسهلت له سبيل الوصول إلى المحاسن.
وكم ذي معاص نال منهن لذة
ومات فخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصي وتنقضي
وتبقى تباعات المعاصي كما هيا
فيا سوءتا والله راء وسامع
لعبد بعين الله يغشى المعاصيا
(المواعظ والمجالس لابن الجوزي ص ٢٢٤)