مشكلة الانتخابات فى مصر, وأقصد بذلك أى عملية انتخابية أنها محكومة بأشياء ليس لها علاقة بالثقافة العلمية التى من المفروض أن تحكم أى عملية انتخابية منذ فتح باب الترشيح وحتى الانتهاء بإعلان أسماء الفائزين مرورا بعرض البرامج الخاصة بالمرشحين. العملية الانتخابية فى منطقتنا العربية, باستثناءات قليلة, تعتمد برمتها على العلاقات الشخصية والقبلية والمجاملات أكثر منها على برنامج المرشح ومدى قدرته على تنفيذ ذلك البرنامج من عدمه. تحكم أى عملية انتخابية فى الدول المتقدمة قواعد مختلفة تماما عما يحدث عندنا. الأمر هناك ليس فيه مجاملات. حتى أبناء الحزب نفسه قد لا يصوتون لمرشحهم لو لم يقتنعوا ببرنامجه ورأينا ذلك بوضوح فى آخر انتخابات أمريكية سواء على مستوى الرئاسة أو على مستوى الكونجرس بمجلسيه.
فى تلك البلاد لا يعطى أحد صوته لمجرد أن المرشح صديقه أو بلدياته أو سبق أن أدى له خدمة شخصية. تلك الأشياء تقلل من قيمة العملية الانتخابية. الناخب يدرس ويحلل ويناقش المرشح فى كل كلمة تخرج منه حتى يصل إلى قناعة بذلك المرشح وبقدرته على أن يكون إضافة حقيقية سواء لبلده لو كانت الانتخابات رئاسية, أو لولايته لو كانت الانتخابات لاختيار حاكم للولاية أو للعمدة وهكذا على مستوى انتخابات اتحادات العمال والنقابات المهنية. ثقافة الانتخابات لا تتغير, والناخب على أى مستوى يبحث ويدقق قبل ان يعطى صوته لهذا دون الآخر. هناك يتم تطبيق شعار صوتك الأمانة كواقع حقيقى وليس مجرد شعار للاستهلاك المحلى. الناخب يشعر فعلا بقيمة صوته ولا يجعله هباء منثورا.
لكل ذلك لا تكون هناك أية مفاجآت فى نتائج الانتخابات فى تلك الأماكن. مراكز قياس اتجاهات الرأى تكون قد تنبأت من خلال رصد برامج المرشحين وتفاعل الناس معها بالمرشح الأوفر حظًا وبنسب تفوقه على منافسيه. ثم تأتى النتائج قريبة جدا من التوقعات. لكن ما يحدث عندنا أن كل مرشح خاسر يصاب بحالة انهيار وهو غير مصدق أنه خسر, ذلك لأنه خلال جولاته وسط الناس كان الكل يستقبله بالترحاب الشديد فيشعر انه فائز لا محالة. أتذكر تصريحات مغلفة بالمرارة الشديدة للفنانة سميرة أحمد عقب خسارتها فى أحد الانتخابات البرلمانية. ظنت الفنانة أن شهرتها وحب الناس لها على الشاشة يضمن لها الاكتساح, لذا كانت صدمتها شديدة عندما عرفت عدد الأصوات التى حصلت عليها فخرجت تهاجم الناخبين ثم تعلن طلاقها للسياسة تمامًا وحسنًا فعلت.
أذكر واقعة طريفة حصلت منذ سنوات طويلة مضت فى انتخابات نقابة الصحفيين. اتصل بى أحد الزملاء المرشحين لعضوية مجلس النقابة, يريدنى أن أصطحبه فى جولة بين الزملاء صحف ومجلات دار أخبار اليوم. تقليد جميل لا غبار عليه. المشكلة تكمن فى أن مجتمع الصحفيين مجامل بطبعه. لذا رحب الزملاء فى المؤسسة بالزميل متمنين له النجاح. الزميل فرح جدا بهذا الاستقبال ورغم أننى حاولت أن أشير ولو تلميحًا أن ذلك الترحيب لا يعنى أن كل تلك أصوات مضمونة. لكنه أبى إلا أن يصدق ما يريد تصديقه. زاد من حرج موقفى أن معظم الزملاء الذين استقبلونا وإمعانًا فى المجاملة قالوا له: يكفى أنك جئت مع هشام مبارك فأبشر يارجل!, لذا غادر صديقى الدار وفى بطنه بطيخة صيفى ولعله خرج بنفس البطيخة من بقية المؤسسات, ولسوء حظى فى تلك السنة كان نظام الانتخابات ولسبب خبيث قد خصص لكل مؤسسة صندوق انتخابى على حدة ليعرف كل مرشح عدد الأصوات التى حصل عليها من كل مؤسسة صحفية. طبعًا كانت النتيجة صادمة جدًا لذلك الزميل الذى حصل من دار أخبار اليوم على عدد من الأصوات أقل بكثير جدًا من توقعاته التى رسمها بناء على حفاوة الاستقبال فقاطعنى تمامًا منذ ذلك الوقت. ولم يطلب منى أى مرشح من وقتها- والحمدلله_ أن أصطحبه فى جولات دعائية!