ليس لدي اعتراض على جميع أشكال التكاتف والتكافل الاجتماعى التى نحتاجها جميعاً فى ظل ظروف اقتصادية صعبة على جميع الناس على اختلاف طبقاتهم, حيث أثرت تلك الظروف نسبياً على الأغنياء منهم وإن كان بشكل نسبي, و طحنت الطبقة الوسطى وزلزلت الأرض من تحت أقدامها حتى بات أغلب من ينتمون لهذه الطبقة من أولياء الأمور مهددون بالفضيحة أمام أطفالهم واسرهم, بينما سحقت تلك الظروف الفقراء منهم تماماً.لذا لا أعتقد أن هناك اسرة فى مصر الآن لا تحتاج جميع أشكال الدعم,حتى لو كان هذا الدعم متمثلاً فى كرتونة رمضان التي يحرص كثير من الأغنياء ومن مؤسسات الدولة أن تعبر بها عن شكل مهم ومطلوب من أشكال التضامن.
لكن الذي يقلق فى الموضوع أن تكون كرتونة رمضان هى مشروع حل تقدمه الدولة للأزمة الاقتصادية بعد أن عجزت عن إيجاد حلول جذرية تواجه بها تلك الظروف الصعبة.الناس لا تحتاج كرتونة لا تغنى ولا تسمن من جوع ربما لن تكفى بعض الأسر ولو حتى أياما معدودات بينما يبقى بقية العام يواجه أسعاراً لا ترحم ترتفع يوميا وربما كل ساعة دون ضابط أو رابط.ثم يقال للناس حاربوا ارتفاع الاسعار بالاستغناء, شعار جميل ومعاني اجمل , الاستغناء عن غير الضروري مطلوب ليس فقط كسلوك اجتماعي ولكن لأن عدم الإسراف أمر الهى علينا جميعا الامتثال له,لكن ماذا يكون الحال وارتفاع الأسعار يطال سلعاً استراتيجية لا يمكن أن تستغنى عنها اسرة مثل العيش والارز والمكرونة والسكر والزيت وغيرها ناهيك عن السلع الخدمية مثل الكهرباء والمياه إضافة إلى البنزين الذي يؤثر ارتفاعه بالتبعية على كثير من الأشياء حتى لو لم يكن هناك علاقة مباشرة بينهما؟هل يمكن أن يستغنى بيت عن تلك السلع الحيوية والضرورية؟
ليس من الصعب أن تكون لدينا استراتيجية حقيقية تعيد فهم فقه الأولويات وتوجه الأموال تجاهها الصحيح للمشاريع الانتاجية التى تخلق فرص عمل وتزيد من التصدير وتوفر عملة صعبة مطلوبة وبالحاح فى هذه الظروف.نريد مناخا جاذبا فعلاً للاستثمارات الأجنبية وليس فقط شعارات يرددها المسئولون فى المؤتمرات ثم ينامون مطمئنين البال معتقدين ان كلماتهم تلك ستجعل المستثمرين الأجانب يهرولون تجاهنا.المستثمر الأجنبى يبحث ويدرس ويحقق ويدقق قبل ان يتجه إلى أى مكان فى العالم.وسمعتنا حاليا ليست على ما يرام وما ينشر وياقل عن تجارب الاستثمار لا يشجع الجديد على القدوم خاصة وهو يرى بعض الاستثمارات الموجودة بالفعل تحاول الخروج للاستثمار فى أماكن أخرى توفر مزايا حقيقية بعيدا عن الشعارات والخطب الرنانة.
انتبهوا أيها السادة وإذا كان المثل الشعبي يقول لا تعطنى سمكة ولكن علمنى الصيد, فنستطيع أن نقول : لا تعطنى كرتونة ولكن افتح لى مصنعاً.