اتصل بي أصدقاء أعزاء بعد أن كتبت في نهاية مقال “من القربات “أنني سأكتب عن شعراء اشتهروا بمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكنت قد انتهيت من كتابة مقال الصرصري ذلك الفقيه المحدث العالم باللغة والذي التزم الكتاب والسنة فيما كتبه شعرا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولكني وجدت الاصدقاء حريصين على التنبيه إلى أن الكتابة في مناقب سيدنا رسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لا بد أن تلتزم ما جاء في الكتاب والسنة وأن المبالغات التي يلجأ إليها البعض دون سند من كتاب أو سنة قد لا تحمد يوم الحساب أو توقع أصحابها في محذور لا يتمنون الوقوع فيه .
والحق أني أوافقهم فيما يقولون مع الإنتباه إلى مغالاة أخرى تتمثل في تجريدة مما منحه الله من شرف وتعظيم حتى وجدنا من يقول إنه مثلنا مثله .
والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى مدح سيدنا رسوله صلوات الله وسلامه عليه بما يمنحنا مساحة عريضة تتحرك فيها أقلامنا وقرائحنا وقلوبنا فلا تأتي بكل ما فيها من مكارم ومناقب ومنزلة، يكفي أن ربنا سبحانه وتعالى لم يخاطبه في كتابه إلا بـ يأيها النبي إكراما لها ورفعة لمنزلته وتنبيه لنا أن نلتزم الأدب في خطابه وفي التوجه إليه فحذر صحابته ألا يرفعوا أصواتهم فوق صوته،قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ” ورفع الصوت يتسع إلى عدم الأخذ بما أمرنا ونهانا ومن هنا فالاية توجه لكل مسلم في كل زمان ومكان. كما مدحه بقوله”وإنك لعلى خلق عظيم “
ونستطيع أن نمدحه بأنه البشير والنذير والسراج المنير لأن الله قال له: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا” ونستطيع أن نمدحه بأنه لا ينطق عن الهوى لأن الله قال عنه” ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” ونستطيع أن نقول إنه خير الناس وسيد العالم لانه قال عن نفسه” أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع”
ونستطيع أن نصفه بالرءوف الرحيم وهما اسمان من اسماء الله منحهما الله لرسوله حيث يقول في كتابه :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ” ونمدحه بالشفيع المشفع حيث يفسر العلماء أنه المعني بقوله تعالى :مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ” فهو من سيأذن له الله بالشفاعة وصاحب المقام المحمود في قوله تعالى : “عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا” وصاحب الحوض الذي يسقي منه أمته يوم القيامة وأول من يقوم يوم القيامة ومن يقول “أمتي أمتي في وقت تقول كل الخلائق نفسي نفسي ” وهو الشهيد على أمته والأمم فقد قال الله له :” فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا” إلى آخر أوصافه الكثيرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم : “إن لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي”.متفق عليه وبما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم”إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”. رواه مسلم. وبما جاء في قوله “فضلت على الأنبياء بستٍّ: أُعْطِيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون”. رواه مسلم. إلى آخر ما جاء على لسانه الشريف
كما نستطيع أن نصفه بما وصفه به من رأوه وتعاملوا معه كام معبد، وعلى بن أبي طالب ،وهند بن أبي هاله وكثيرين وكذلك ما جاء في تصرفاته وردود فعله مع الناس من كرم وحلم وتواضع وعفو وصبر وحزم وغضب لله وعدم الغضب لنفسه، وهكذا يجل الأمر عن الحصر . إذن فلسنا في حاجة أن نخترع في وصفه ما لا علم لنا به .