الأمم الحية تطلق العنان لعقول ابنائها صغارا وكبار.. تخلق حالة من الابداع.. وتجعل أرضيته دائما خصبة غضة مثمرة ..لا تتنازل عن قاعدة شغل مخك دائما لا تدعه يتوقف ولا تدع أحدا يشغله أو يشاغله أو يعبث به تحت اي ظرف من الظروف..
إعمال العقل وادامة التفكير ضرورة حياة وإيمان ايضا.. والتفكير تكليف دائم لكل صاحب عقل وقدرة على التمييز ولا يتوقف التفكير الا في حالة خروج العقل عن الخدمة بلغة أهل الاتصالات ..
ومعلوم أن التفوق الحضاري للأمم والتقدم العلمي للشعوب ما هو إلا نتيجة طبيعية وحتمية للتفكير في كل ما ينهض بالحياة ويحقق السعادة لبني البشر..
كتابات مهمان صدرا في الأيام القليلة الماضية آثارا كثيرا من الشجون حول قضية التفكير وضرورة إعمال العقل:
الاول كتاب التفكير العلمي للمفكر المصري المعروف الدكتور فؤاد زكريا صدر في طبعة جديدة ومنقحة عن سلسلة عالم المعرفة الشهرية الشهيرة ..
والثاني كتاب التفكير فريضة إسلامية للمفكر الكبير عباس محمود العقاد.. صدر كهدية مع العدد الشهري لمجلة الأزهر العريقة …
مقدمة كتاب التفكير العلمي حرص فيها المؤلف من البداية ومن اول سطر في المقدمة على أن يوضح الهدف والمقصود بالتفكير العلمي..وكأنه يقطع الطريق على من تذهب بهم الظنون بعيدا حين تأتي سيرة العلم ومنهجه والتفكير وأصوله بمعنى آخر كأنه أراد أن يهدم حصون الخوف المحتملة لمن يهابون التفكير العلمي أو الارتكاز إليه .. قال بوضوح في أول سطر في المقدمة ليس التفكير العلمي هو تفكير العلماء بالضرورة إذ أن هؤلاء ينصب اهتمامهم على مشكلة متخصصة بعينها.. إنما التفكير العلمي الذي نقصده هو ذلك النوع من التفكير المنظم الذي يمكن أن نستخدمه في شئون حياتنا العامة أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة أو في علاقاتنا مع الناس ومع العالم المحيط بنا.وكل ما يشترط في هذا التفكير أن يكون منظما وان يبنى على مجموعة من المبادئ التي نطبقها في كل لحظة من دون أن نشعر بها شعورا واعيا..
المدهش أن المؤلف عندما كتب دراسته هذه في العام ١٩٧٧ قال :”في اعتقادي إن موضوع التفكير العلمي هو موضوع الساعة في العالم العربي ..ويطالب من يضعون العراقيل أمام التفكير العلمي أن يفكروا لحظة في أحوال العالم في القرن القادم الذي سيعيش فيه أبناؤهم..”
الكتاب جاء في سبعة فصول وخاتمة.. تحدث بالترتيب عن سمات التفكير العلمي والعقبات في طريق التفكير العلمي والمعالم الكبرى في طريق العلم والعلم والتكنولوجيا ثم لمحة عن العلم المعاصر وشخصية العالم ..ورغم مرور أكثر من ٤٥ عاما على هذا فما زلنا نقول مع المؤلف وغيره ممن ساروا على هذا النهج والاصرار على الالتزام والتمسك بالمنهج العلمي في التفكير..أنه لايزال قضية الساعة وكل ساعة..
نعم هذا ما نحتاجه اليوم وكل يوم حتى نضمن استقامة الأمور وحتى يسهل علينا الوصول إلى مخرج أو حل لأي أزمة تواجهنا طارئة أو غير ذلك..
إذا كان كتاب التفكير العلمي قد صدر في نهاية السبعينيات من القرن الماضي فإن كتاب التفكير فريضة إسلامية العقاد قد صدر قبله بسنوات عديدة في الستينيات وكان بحثا قدمه العقاد حينها للمؤتمر الاسلامي ونشر بعدها في كتاب أحدث أصداء واسعة في العالم الإسلامي وطبع العديد من الطبعات بعد أن ذاعت شهرته إلى جانب المكانة الأدبية والفكرية التى كان يحتلها ويمثلها العقاد..وقد أحسنت مجلة الأزهر في عددها الأخير أن جعلته من هداياها للقراء.. يوزع مجانا مع المجلة بسعر زهيد خمسة جنيهات للعدد مع كتاب آخر ..
قدم لها فضيلة الكتور نظير محمد جيد امين مجمع البحوث الإسلامية بكلمة موجزة تعريفية بالكتاب اكد خلالها أيضا على اهتمام الإسلام بالعقل والارتقاء به وانه نعمة كبرى به فضل الله الانسان على سائر الخلق..معتبرا ان تقديم كتاب التفكير فريضة إسلامية والاهتمام بالقضية يسهم في ابراز الوجه الحضاري للاسلام من ناحية ويصحح ما يرد على السنة البعض من أفكار مغلوطة تتعلق بالعقل ومكانته ودوره وحدوده في الإسلام..
أهمية كتاب العقاد لا تكمن فقط في تأكيده على التفكير العلمي ومنهجيته بل في تأصيل وبيان مركزية العقل والمنهج العقلي في الاسلام منذ اليوم الأول للرسالة سواء في الحديث الصريح والمباشر والمؤكد لآيات القرآن الكريم و احاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وحواراته مع الصحابة في مختلف القضايا التى يواجهها المجتمع المسلم..
العقاد رد بشكل علمي ومنهجي بالعقل والنقل على كل الاتهامات المغرضين والمشككين ومن يعادون الاسلام سرا وعلانية وأنه دين
لايحترم العقل ولا التفكير العلمي وأن ذلك هو السبب الرئيسي في تخلف المسلمين وتراجعهم بين الأمم .. وغير ذلك من اتهامات منسوبة زورا وظلما وعوانا على الإسلام والمسلمين لأغراض معروفة مفضوحة لم تعد خافية على أحد ..
من اول كلمة يزيل العقاد كل لبس ويقرر بوضوح في العنوان العبقري اللافت أن التفكير فريضة إسلامية.. وقد كان بحق عنوانا ذكيا معبرا حاسما في الرد قاطعا في الإجابة.. وجاء عنوان الفصل الاول تحت اسم .. فريضة التفكير في كتاب الاسلام.. مشددا على أن من أهم مزايا القران الكريم التنويه بالعقل والتعويل عليه.. وان القرآن الكريم لايذكر العقل الا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التى يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله او يلام فيها المنكر على إهمال عقله قبول الحجر عليه..
وأظن أن العقاد قد أحسن صنعا حين عمد أن يجعل الكتاب بلا مقدمة أو نهاية لبعث لكل قارئ لا عالم التفكير بلا بداية أو نهاية عالم بلا ضفاف وأنه الطريق الأمثل الذي يقود دائما إلى مرافئ الامان دنيا وآخرة ..هو طوق النجاة احرص عليه في كل الأحوال فهو المنقذ في السراء والضراء..
عناية الإسلام بالعقل بدأت مبكرا وجعل مكانة خاصة لاصحاب العقول .. وحث القرآن الكريم دائما على إعمال العقل وكثيراً ما تساءل أفلا يعقلون..افلا يتذكرون .. يتدبرون..يتفكرون ..
ويتوقف العقاد بعد الاطلالة السريعة على فرضية التفكير امام الاعذار والموانع بالقول حين يكون العمل بالعقل امرا من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق ان يعطل عقله مرضاة لمخلوق مثله او خوفا منه ولو كان هذا المخلوق جمهرة من الخلق تحيط بالجماعات وتتعاقب مع الأجيال ..
حدد العقاد ثلاث موانع سماها بالكبرى تتشعب منها مختلف الموانع الأخرى اكبر الموانع عبادة السلف التي تسمى بالعرف والتقاليد والاقتداء الاعمى باصحاب السلطة الدينية والخوف المهين لاصحاب السلطة الدنيوية فالاسلام لا يقبل ان يلغي المسلم عقله ليجري على سنة ابائه واجداده ولا يقبل منه ان يلغي عقله خنوعا لمن يسخره باسم الدين في غير ما يرضي العقل والدين ولا يقبل منه ان يلغي عقله رهبة من بطش الأقوياء وطغيان الاشداء ولايكلفه في هذه الأمور شططا لا يقدر عليه..
ويتوقف العقاد اما العديد من المحطات المهمة وثيقة الصلة بالتفكير والعلاقة بينهما كالعلم والايمان والفلسفة والتصوف وغيرها..
لا شك ان موقف الاسلام من العقل وشغل مخك ترجمته الكثير من الأدبيات على مر العصور وعرضت بالتفصيل ما جاء في القران الكرين و السنة من نصوص صريحة تحث وتؤكد أهمية التفكير في حياة الأمم .
الإسلام دعا للتفكير فيما يتسع له العقل البشري وورصد الباحثون في القران أساليب كثيرة للدعوة للتفكير وإظهار الحوار والجدال.. سواء بين الخالق والمخلوقين اوبين الله والانبياء.. بين الله وإبراهيم ومع موسى.. وبين موسى والفرعون وبني إسرائيل وبين الأنبياء واتباعهم نوح ولوط وشعيب وغيرهم ..
وعلى صعيد السنة النبوية كان الرسول صلى الله عليه وسلم رائدا وقائدا للدعوة للتفكير والتأمل وانه اول من طبق هذا حتى ان السيدة عائشة رضى الله عنها قالت عنه:” حبب اليه الخلاء “.. وقد اثر عن النبي دائما قوله اشيروا على أيها الناس اشيروا أيها الأنصار
وكشف كثير من المؤرخين ان عصر النبوة اظهر كثيرا من البراعة في التفكير عند الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم وفي كيفية التصدي للمشكلات ومن هذه النماذج:
الحباب بن منذر رضي الله عنه وما حدث في غزوة بدر الكبرى لما رأى أن المكان الذي نزل به رسول الله ﷺ غير مناسب عسكريًا فقال: أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله ﷺ: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم ثم نُغَوِّرُ ما وراءه من القُلُب ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله ﷺ: لقد أشرت بالرأي.
وفي اثناء توقيع وثيقة صلح الحديبية وجد الصحابة في أنفسهم من بنود الصلح ما وجدوا..وكانت مشورة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها والتي ظهرت حكمتها في وقت عصيب واخذ النبي برايها وانتهى الامر بسلام كما يريد النبي.
&& من اقوال الامام علي رضي الله عنه: اذا اكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت اخلاق ومآربه..
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com