**منذ الصغر كانت أمنيتي أن يكون لي حذاء لامع أرتديه في قدمي وأفتخر به أمام الأطفال الآخرين ولكن كانت إمكانات والدي لا تسمح إلا بصندل من باتا ..أرتديه مع شراب يتغير ليكون قطنيا صيفا وصوفيا شتاءا..
إلى أن تحققت الأمنية الغالية بعد حصولي على الثانوية العامة وتصميم والدي رحمه الله على أن ينتقل بمظهري أيضا من مرحلة الطفولة إلى الرجولة المناسبة للمرحلة الجامعية
..فأخذني من يدي ،كما كان يفعل قبل الامتحانات ليدور بي على مقابر الأولياء والصالحين يدعو لي بالنجاح والفلاح ويجهش بالبكاء أحيانا داعيا الله سبحانه وتعالى أن يطرح في البركة ويجعلني من أهل العلم أو الرجال النافعين الطيبين..
هذه المرة أخذني إلى فرع باتا بالقرب من منزلنا ولكنه باع نصف بيت ورثه عن والده لينفقه على “النيولوك” المطلوب واشترى لي الحذاء اللامع الجديد وأذكر أن مقاسه كان الدرجة الواقعة بين انتهاء الطفولة وأعتاب الشباب لذلك كان ثمنه مهاودا لأن أحذية الأطفال -فيما أذكر- كان سعرها أرخص من أحذية الكبار..وأخذني أيضا إلى محل البرماوي الذي يبيع الخردوات والملابس الجاهزة معا واشترى لي قميصين وبنطلونين وبلوفرين تحسبا للشتاء .
**ساعتها لم ألق بالا لأغنية شعبية شهيرة كان يغنيها المطرب الراحل عبد العزيز محمود يخاطب فيها حبيبته قائلا “يا شبشب الهنا ياريتني كنت أنا ” في كلمات بديعة يلتقفها الحس الشعبي ورسالة يسعد بها العشاق في كل العصور..
** وتمضي السنون ويسمح لي دخلي من العمل بأن أشتري أكثر من حذاء ولا أنتظر أن يبلى أو يذوب ويطلب إنهاء الخدمة رغم ظهور عقبة أخرى جديدة تمثلت في مقاس قدمي الذي لم يعد متوفرا ولا ينفع فيه أن يكون على عتبة نهاية الصبياني وبداية الرجالي ولم يكن هناك من حل سوى التفصيل أو استخدام الوسائل المساعدة مثل : الحشو في مقدمة الحذاء أو “الفرشة” بفتح الفاء التي تعوض الفارق وتضبط الأمور ..وطوال هذه السنوات لم أشعر بأي مشكلة مع الاستخدام المنزلي للشباشب التي تنوعت وغزت البيوت وحملت أسماءا غريبة بالإضافة إلى الشباشب الطبية التي احتجتها لبعض الوقت بعد إجرائي لعمليات جراحية في العظام..
**والآن وقد استغنيت تقريبا عن الحذاء بعد تراجع الخروج إلا للضرورة وزاد اعتمادي على استخدام الشباشب ونتيجة للانكماش الطبيعي في القدمين ولعيوب في الهيكل العظمي كشفتها السنين ..تحولت الشباشب إلى مصائد وقنابل موقوتة تقتضي الحذر المضاعف عند السير ورغم ذلك تعثرت في السجاجيد وسقطت على أرضية السيراميك وأصابتني فوبيا من نوع غريب لفتت نظر الابنة الوفية التي أعطت مشكورة الأولوية والدأب وخصصت الوقت لشراء أنواع متعددة من الشباشب وبمقاسات مختلفة وبحثت على صفحات الفيس بوك وتقصت من الأصدقاء المناسب والأفضل ..
ولكن سلة الهموم “الشبشبية” مازالت ثنائية تحملها نفسي وذاكرة الابنة الوفية التي تتحسر ألما وتزيدني أسفا خشية من الخطر المحتمل عندما أتحرك داخل المنزل في ذهابي لغرفة المكتب أو الحمام أو أي مكان آخر..بعد أن كنت في فترة سابقة أقضي جانبا من يوم الأجازة عند صديق لي أسفل المنزل..مرتديا الشبشب دون أي خوف أو توجس .
ولأن اهتمامي الأول البحث عن شبشب الهنا فقد كتبت هذا الكلام آملا أن أزيح عن نفسي عبئا وخطرا قد يسبب لي وللمحيطين بي الآلام.