■ المـوت والحـب ، وجهان في
العُملة الواحدة : ( ظلُّ وضوء )
الظلُّ ،
والضوءُ الحبيبُ ،
وهمسةٌ عُلويّةٌ ، رحلَت ،
وما ارتحلَت بغَيبتهاٰ عن العينينِ ،
أَو عن مَسمعِ الأُذنَينِ ،
أو نبضِ الشَّغافْ.
. . . .
الظلُّ ،
والضوءُ الحبيبُ ،
ولمسةٌ ورديّةٌ ، ذهبَت ،
ومازالت ببصمتهاٰ تضيءُ البيتَ ،
مِن جنباتِهِ ،
وتُقيمُ أفراحَ الضِّفافْ.
. . . .
الظلُّ ،
والضوءُ الحبيبُ ،
وعُملةٌ أبديةٌ مسكوكةُ الوجهَينِ ،
تأخذني إلى الأعرافِ ،
تُوقفُني ،
على الضدّينِ ،
ـ كيف الموتُ والميلادُ يجتمعانِ ،
في هٰذا الطوافْ ؟
. . . .
الظلُّ ، هٰذا الزائرُ الغيبيُّ عادَ ،
وأنتِ لستِ بجانبي ،
لا لونَ في قسَماتِهِ ، لا صوتَ ،
في خُطواتِهِ ،
يدنو رويداً مِن سريريِ.
وأناٰ هناٰ بعضُ انتباهٍ للحياةِ وللماتِ ،
وليس لي بين الضلوعِ ،
سوىٰ عيونِكِ ، في ضميريِ.
. . . .
ظلٌّ وضوءٌ ، داخلانِ أمام عيني ،
في العِراكِ عليَّ ،
لا الظلّ استوىٰ عندي ،
ولا الضوءُ استدامْ.
فلتفعلاٰ ما شئتماٰ بي ، إنني ،
ما عدتُ معنيَّاً بهٰذاٰ الاصطدامْ.
. . . .
أنا ليس لي ولدٌ ليمشي ،
في مقدمة الجنازةِ تحت نعشي ،
كي يُواريني وينهضَ للعزاءِ ،
وليس لي منه التطلّعُ ،
لابتناءِ الذكرياتِ علىٰ مدارِ الحولِ ،
إن عزَّ الدعاءْ.
. . . .
أنا ليس لي ،
إلاٰ ترابٌ جئتُ مِن ذراتِهِ يوماً ،
ونورٌ بين أجنحتي ،
وبينهما الهوىٰ ، والنارُ ،
والأحزانُ تفعل في ضلوعي ما تشاء.
. . . .
أنا ليس لي إلا يداكِ ،
وأنتِ سِرّ النورِ مشتبكٌ بسرّ الظلمةِ ،
العمياءِ ،
فاصطدِماٰ ، فلستُ مُفزّعاً مماٰ أرىٰ ،
سيّانِ ظِلٌّ في عيوني ،
أَو ضياءْ
. . . .
الظلُّ ، هٰذا الطائفُ الليليُّ مختبيءٌ ،
وراء السنديانِ ،
فخبئِيني في حنينِكِ ، واتركيني ،
في أنينِكِ ،
كي أعالجَ صيحةَ الميلادِ في عينيكِ ،
أو لحنَ الختامْ.
. . . .
بحدودِكِ ارتسمَت خرائطُ للمسالكِ ،
والممالكِ في دمي ،
تُفضي إلىٰ عينيكِ من جهةِ المحبةِ ،
بين لحمي والعِظامْ.
. . . .
بوجودكِ اتّسعَت حوائطُ ،
كان ضيّقها الغيابُ ،
وهفهفَت سُـتُرُ الشبابيكِ القديمةِ ،
كي تناغِمَ خفقةَ “الفُستانِ” ،
في إيقاع كعبيكِ ،
- ارقصي حتى اهتزازِ الأرضِ بالبُستانِ ،
مِيلي ، واستديري حولَ كعبٍ واحدٍ ،
ثم استطيري ،
ثم نجري ، إنما الأفلاكُ تجري ،
بانتظامْ.
. . . .
وأنا المسافرُ في الظلالِ وفي الضياءِ ،
أنا المهاجرُ في جمالكِ ،
لن أغيبَ ،
ولن تغيبي بعد هٰذا اليومِ ،
فالعنوان منحوتٌ علىٰ مَلَسِ الرّخامْ.
. . . .
وتقاربَت فوق الأريكةِ شمعتانِ ،
مع الضحىٰ ،
وتراقص الضوءُ الحبيبُ ،
ودندنَ الوترُ المُندّىٰ فوق خاصرةِ ،
الـ ” كَمانِ” ،
فرنّتِ العيدانُ ،
والنغماتُ أنَّت ، تحت إيقاع البَنانِ ،
ـ بدايةٌ لا تنتهي ،
ونهايةٌ تسعىٰ لتبدأََ مِن جديدٍ ،
كان هٰذا المجلسُ الأرضيُّ منعقداً ،
على الإفطارِ ،
في الصبحِ الشهيِّ ،
وصوتُكِ المبتلُّ بالدمعِ البهيِّ ،
يضيءُ في عينيَّ ملتمعاً بأسرارِ ،
المكانْ.
. . . .
الآن بين يديكِ أنهلُ من محبتنا التي ،
صقلَت هوايَ ، وعلّمَتني الحبَّ ،
واتّسعَت لقلبي ،
وارتضَتْني شاعراً يوماً ويوماً عاشقاً ،
يزن الكلامَ بلمعةِ العينينِ ،
قبل النطقِ بالجُمَلِ ،
التمامْ
. . . .
المجلسُ الأرضيُّ ، والإفطارُ ،
والبدرُ الذي ينثالُ في خدّيكِ مُخضلاً ،
بلونِ الأُرجوانِ ،
وهٰذهِ الكتبُ العتيقةُ ،
- بعضُها برِقابِ بعضٍ مُمسكٌ – تجري ،
بأزمنةٍ ،
خبرناهاٰ وأمكنةٍ طرقناهاٰ ،
وبيتٍ صار باسمكِ سابحاً ، كالقصرِ ،
يجري فوق نهرِ الزعفرانْ.
. . . .
كتبٌ تلوحُ أمام عيني كالقطارِ اللولَبيِّ ،
يمرّ دون توقُّفٍ فوق المحطاتِ ،
التي شهدَت صبايَ ،
وكبَّرتني ،
والسريرُ يدورُ بي ،
مثل القطارِ يمرُّ دون تمهلٍ ،
عَبر الميادينِ التي نسجَت هوايَ ،
وشذّبَتني.
. . . .
ظلُّ ، وضوءٌ ،
أنتماٰ تتباريانِ إلى السريرِ ،
فكان مِن أمر المصيرِ إذنْ سطوعُ ،
البدرِ في زنزانتي ، وطلوعُ ،
ظِلِّ الديدبانْ.
. . . .
وَيْحي ، وقد هجَم الظلامُ ،
على الظِلالِ ،
ونفحُ أوراقِ الحديقةِ لم يعدْ ،
يأتي بمرسالِ الحبيبةِ ،
أَو بمكتوب الجمالِ ،
ولاحَ لا شيءٌ سوىٰ الإعتامِ ،
لا ظلٌّ ولا ضوءٌ ،
فلا طِيب الهوىٰ يأتي ولا ،
شبَح الزوالْ.
هيَ نَجوَةٌ أو هُلكةٌ ،
لا صوتَ غير صدى الحقيقةِ ،
والحديقةُ محضُ ذكرىٰ ،
للذي رصَّ الزهورَ على الصدورِ ،
وَرشَّ مِن ماءِ الحياةِ ،
على الغِلالْ.
. . . .
ويحي،
ويأخذني الكتابُ إلى السريرِ ،
إلى القطارِ ،
ولا نهايةَ للمحطاتِ التي تأتي تباعاً ،
ثم تذوي في نهاياتِ المدارْ.
فمتىٰ يحين توقفي ،
وتخلفي عن رحلة لا تنتهي ،
تعب الفؤادُ ،
وما تعبتُ مِن الهوى الزَّوارِ ،
في وضحِ النهارْ.
. . . .
السجنُ يفتح بابَه ،
كي يخرجَ الجسدُ المُسجْىٰ ،
حيثُ لا أفقٌ هنالك ينتهي ، لا بابَ ،
لا سجّانَ ،
لا ظلٌ يعدّ عليهِ ساعاتِ التّيقّظِ ،
والمنامْ.
. . . .
رهْطٌ من الشعراءِ والغرباءِ ،
يمشي في مقدمة الجنازةِ مطرقاً ،
يتلوه صفٌ ناقصٌ ،
مِن رفقةِ المقهى الزحاجيِّ القديمْ.
والنَّعشُ يطفو فوقَهم ،
متنقلاً بين المناكبِ في تموّجهاٰ ،
إلىٰ مثواهُ في السفحِ المقيم.
. . . .
ـ مَن هٰذهِ البنتُ الجميلةُ ،
قد أطلَت في غَمامتها الشفيفةِ ،
وهْيَ تبكي ، دون أن تدركَ تفسيراً ،
لهٰذاٰ الازدحامْ؟
ـ هٰذاٰ حبيبكِ ، ذابَ في اللامُنتهىٰ ،
وقد انتهىٰ ما كان من أهوائِهِ ،
وانفضَّ تاريخُ الغرامْ.
.