حُكم على أعرابي بالإعدام واحتُجزَ في سجن القلعة، وبينما هو يعد الأيام لملاقاة أجله فإذا بالوالي يزور السجن ويتفقد أحوال السجناء، وعندها استغل المحكومون هذه الفرصة لاستعطاف الوالي وطلب رحمته، وكان الوالي يحب الفكاهة وقرر أن يسخر من سجنائه فقال لهم:
لقد جاءني كبير التجار بجملٍ أصيل كهدية،
فمن يستطيع تعليم الجمل القراءة سأعفو عنه،
بل إنني سأعطيه ألف دينارٍ كمكافأة،
وهنا أصاب السجناء اليأس
لعلمهم أن الوالي يسخر منهم،
إلا أن الأعرابي وجدها فرصته الوحيدة
والأخيرة للنجاة من حبل المشنقة،
فالغريق يتعلق بقشة، وصاح بأعلى صوته:
أنا يا حضرة الوالي أعلم جملكم القراءة.
فنظر الوالي إليه بدهشةٍ وقال له:
هل أنت جادٌّ فيما تقوله.
فقال الأعرابي:
نعم ولكن أريد مهلةً أربعين يوماً تتركني فيها مع الجمل وتأمر جندك أن يلبوا كل طلباتي خلالها.
اعتقد الوالي أنها حيلة يقصد من خلالها الأعرابي الخروج من السجن والتنعم بالطعام والشراب الفاخر فيما بقي له من أيام ليعيشها قبل إعدامه، فوافق على شرطه وقال له:
لك ماتريد. ولكن إن لم تنجح بعد انتهاء المهلة سأعجل بإعدامك فوراً.
غادر الوالي وسط دهشة السجناء الذين لاموا الأعرابي على توريط نفسه في تحدٍّ مستحيل سيعجّل بأجله.
بدأت المهلة وراح الأعرابي يفكر كيف سينقذ نفسه من هذه الورطة وبعد تفكير طويل خطرت له فكرة عبقرية، فقام بتجويع الجمل لثلاثة أيام لم يقدم له أي طعام، وعندما بدأت علامات التعب تظهر على الجمل، أحضر له كتاباً ووضع بين صفحاته حبات من الجوز واللوز والفستق، ووضعه أمام الجمل، وكلما فتح له صفحةً يقوم الجمل بأكل كل الحبات ليقوم الأعرابي بقلب الصفحة فيجد الجمل حبات جديدة فيأكلها، وفي المرة التالية كرر نفس العملية ولكنه لم يقم بقلب الصفحات، وعندما رأى الجمل ذلك أخذ يقلب الصفحات بلسانه بحثاً عن الطعام، وظل الأعرلبي يكرر العملية كل ثلاثة أيام حتى اليوم الخامس والثلاثين، وعندها توقف عن إطعام الجمل لخمسة أيام.
وعند انتهاء المهلة أمر الوالي بإحضار الأعرابي والجمل ليرى نتيجة عمله وهو واثقٌ أن الأعرابي سيعدم لا محالة.
دخل الأعرابي مع الجمل فسأله الوالي:
ماذا فعلت خلال هذه الفترة
فأجاب الأعرابي:
لقد علَّمتُ جملكم القراءة وهو قادر الآن على قراءة أي كتاب، ولتتأكد من ذلك أعطه أي كتاب تريد.
نظر الوالي إلى حاجبه بدهشةً وسخرية وقال له:
أعطِ الجمل كتاباً أيها الحاجب.
وما إن وضع الأعرابي الكتاب أمام الجمل الذي كان يتضور جوعاً حتى تقدم إليه بلهفةٍ وبدأ يقلب الصفحات بلسانه، وسط دهشةِ الوالي وحاشيته، وكلما قلب صفحة ينظر فيها بتمعّنٍ ثم يقلبها كأنه يقرأ ما هو مكتوب فيها.
وهنا وقف الوالي مدهوشاً مما يراه وأخذ يصفق للأعرابي وهو لا يصدق ما يراه، ثم قال للأعرابي:
لماذا لا يقرأ علينا بصوته لنعرف ماذا يقرأ؟
فقال الأعرابي:
عفواً يا مولاي، فقد كان اتفاقنا أن أعلمه القراءة، ولم نتفق أن أعلمه التكلُّم.
وهنا أصدر الوالي قراراً بالعفو عن الأعرابي ومنحه ألف دينار فعاد إلى أهله سالماً غانماً.