زمان وانا صغير وفى شارع محمد فريد بالأقصر وبالتحديد فى حارة أيوب بك صبري، كنت فى كرة القدم كابتناً وبطلاً لفريق الأسد المرعب.كانت كرة القدم هى شغلنا الشاغل.
وقتها كنا نلعب الكرة الشراب.كانت الكرة عبارة عن قطع من الاسفنج داخل أكياس ثم يعلوها بعض الشرابات القديمة ويقوم أحد المحترفين بلف نوع معين من الدوبارة فوق الشرابات لتأخذ الشكل الكروى.بعد ذلك ظهرت الكرة الكفر أى الجلد وطبعا لم يكن فى مقدورنا اقتناء تلك الكرة الجديدة غالية الثمن.كنا نلعب الشراب فى الشارع ونكتفى بالفرجة على الكفر فى المباريات التى يذيعها التليفزيون.
كان المنغص الوحيد فى تلك الفترة بالنسبة لفريق الأسد المرعب هو أحد الأتراب لقبه ميمو الذى لم يكن يجيد لعب الكرة ومع ذلك يجد نفسه أفضل من بيبو وفاروق جعفر وقتها.ولكن لأن المواهب لا تحتاج مجاملات رفضنا ضمه للفريق رغم محاولاته العديدة.بل كنا حتى عند أى تقسيمة يهرب كل فريق من ضمه.حتى فى اللقاءات الودية كان يتعرض للتهكم و السخرية والتنمر من الجميع..
ثم حدثت المفاجأة التى قلبت الأمور رأساً على عقب.نجح ميمو فى شراء كرة القدم الكفر.هنا كان لابد من قرار للاستفادة من تلك الكرة التى دخلت حارتنا لأول مرة.بدأنا نتودد لميمو حتى يأتى بالكرة لنلعب بها فوجدها فرصة لاملاء شروطه.والتى كان على رأسها أن يحمل شارة الكابتن.
طبعا زرجنت فى البداية لولا تدخل بقية أعضاء الفريق الذين طلبوا منى اعلاء المصلحة العامة وتمكين ميمو من الشارة حتى نستمتع بالكرة خاصته.
وافقت على مضض ونزلت على رأى الجميع وأصبح ميمو هو الكابتن لكنه لم يكتف بذلك حيث بدأ رغم أنه لا يجيد اللعب فى أى مركز يتدخل فى الخطة والتشكيل وطبعا التبديل والتغيير وكان يخصنى أنا بنصيب الأسد من قراراته الفوقية وكلما حاولت الاعتراض تدخل البقية ليقنعونى بضرورة أن أضحى كفرد فى سبيل الفريق.
غير أن حدث ما لم يتوقعه أحد حيث قرر ميمو أن يغير اسم اللعبة من كرة القدم إلى السبع بلاطات.لماذا يا ميمو هذا الخلط ولدينا بالفعل لعبة السبع بلاطات؟! قال وهو يحتضن الكرة مهددا بالرحيل:مزاجى كده وعشان خاطركم هخليها بلاطة واحدة واللى يغلط ويقول كورة هطرده من الفريق!.
هى من الآن البلاطة! وهكذاطبعاً وجدها ميمو فرصة ذهبية ليصفى حساباته معى وكنت صاحب النصيب الأوفر من الكروت الحمراء خاصة ان ميمو لم يكتف بدور الكابتن والمدرب بل كان هو الحكم أيضاً!
تذكرت قصة كرة القدم التى تحولت إلى بلاطة وأنا أتابع ما فعله ايلون ماسك مثلا بتويتر، الرجل وبدم بارد حذف العصفورة الجميلة التى ترمز إلى كل ما هو جميل ورقيق ووضع بدلا منها علامة اكس بسوادها القاتم وقبحها الشديد.وبالتالى فإن التغريدة أصبحت بوست وإعادة التغريد أصبح إعادة البوست.
لا سبب وراء ذلك إلا لأن هذا الطفل يريد فقط أن يثبت أنه حر فى ملكه يفعل به ما يشاء تماماً مثل ميمو الذى غير كرة القدم الرقيقة إلى البلاطة الجافة الغليظة.يقينى أن الغنى والفلوس الكثيرة التى لا حصر لها تحول صاحبها إلى مسخ لو لم يكن على قدر من الثقافة.العالم مليء بالمليارديرات الذين يحسنون إدارة أموالهم دون إجراء أى تغييرات صادمة لا طائل من ورائها سوى اثبات الوجود.لا يقل إيلون ماسك من وجهة نظرى عن كابتن ميمو الذى ظن أنه طالما هو صاحب الكرة فله أن يتحكم فيها كيف يشاء..
يسميها كورة أو بلاطة أو حتى استغماية هو حر فهو يردد دائماً المثل الشعبى من حكم فى ماله فما ظلم، نفس فكر ماسك الطفل المعجزة الذى يصدر كل يوم القرارات التى تؤكد أن شعوره بالمليكة يمنحه الحق فى التحكم كيفما شاء، يفرض رسوما ثم يلغيها، ينهى عقود آلاف الموظفين دون سبب مقنع.. يلغى العصفورة ويضع مكانها غراب لا ضير.
المهم أن يقول أنا هنا.فكل من ميمو وماسك تجسيد للمثل الشعبى قالوا يابا علمنى الهيافة قاله ادبح العصفورة وحط مكانها إكس أو غير اسم كرة القدم للبلاطة.